الأدب الإسلامي
تسمية لمن ؟ وفي مواجهة من؟




الأستاذ الكاتب أحمد البربري
تحياتي العاطرة وكل عام وأنت بألف خير.
أشكر لك جهدك في طرح هذه النقطة الهامة ( إشكالية الأدب الإسلامي وتطوره مع الواقع)، وهي بلا شك قضية معاصرة تطرح نفسها بقوة للنقاش ومن ثم التنوير ، في ظل تحديات نمر بها ، تهدد الهوية والوجود العربي كله.
كم أنا سعيد بطرحك الراقي الذي أحترمه وأجله وأقدر الجهد المبذول فيه ، وإن كنت أختلف مع بعض ما ورد به فذلك شأن الحياة ، وطبيعة العقول ، التي درجت على الاختلاف والتنوع .


درج الكثير من المثقفين ، على تنصيف الإسلام ووضعه في زاوية المذهب السياسي الذي يجب ان تطبق عليه كل محددات المذاهب الفكرية ، وهذا في رأيي تحجيم لهذا الدين العظيم، ووضعه في زاوية المذهي الفكري ، ووضعنا جميعا في إشكالية لم ولن نخرج منها حتى الآن .


ومن هنا قد أتفق معك اخي جزئيا أن النمطية في (الأدب الإسلامي) مع تحفظي على هذه التسمية
، هي سمة بعض الكتابات الإسلامية كما أن اللغة الفوقية والدعوية والخطاب الصارخ والأسلوب الزاعق والحماسي هو السائد والمتصفة به بعض الأعمال .، وهذا في نظري قليل وقد لا يرقى إلى مستوى الأدب.( ربما قصد الكاتب هنا الخطابة لغة ومضمونا)
.وتلك نظرة قاصرة وقد لا تكون واعية بحركة التطور في الأدب العربي.ولا بمضامين الأدب الذي نشأ في حضن الإسلام وتحت عباءته.
لابد من الخروج من هذه الإشكالية التصنيفية الضيقة ، فمن قراءتي للأدب العربي بعد الإسلام، و نظرتي المتواضعة لتطوره حتى العصر الحديث ،أضع أمام الطرفين المعارضين لما يسمى ( بالأدب الإسلامي) والناقدين له وأصحاب القلم المحسوبون على هذا الاتجاه :
-



1- بالنظر فى التاريخ الإسلامي نفسه وإلى الأعمال الأدبية التي خرجت إل النور، نجد أنها في معظمها قد خرجت حاملة ( الهوية ) في صورة فنية ، وليست الدعوية المباشرة والفوقية . فالأدب العربي بعد قيام الدولة الإسلامية في عصور ازدهارها، كال، أدبا انسانيا منفتحا على الجميع، ولم يحمل صفة الخطابة الزاعة ولا الدعوة الشعوبية المنغلقة.
( راجع كتاب ( الفرج بعد الشدة ) للقاضي التنوخي وهو أول أشكال الفن السردي الذي يحمل صفات الفن القصصي الحديث)، وفي هذا الكتاب ما لو قرأناه اليوم لمنعته وزرارت الثقافة والداخلية والإلام لتضمنه قصصا خارجة تصل غلى مرتبة أفلام البورنو حاليا.وهو أيضا ذاخر بالفن القصصي والحبك السردي وفقا لمستوى عصره وزمانه.
لم نسمع عن القاضي التنوخي أنه سجن أو عذب أو قتل في ميدان عام.وهناك العديد من الأمثلة في ألف لية وليلة وأغاني الأصفهاني ، ومن أخبار النساء لابن القيم الجوزية ، وغيرها وغيرها ،وهو من عيون الكتب العربية الإسلامية والمحسوبة عل تاريخ الأدب الإسلامي ، وهي أعمال اتسمت بالحرية الكاملة والشمول والنظرة الإسنانية العامة والوقوف إلى جانب الإنسان في قوته وضعفه في خيره وشره واستقامته وانحرافه.

2- يجب أن نقرأ للتأكد من أن الأدباء والكتاب الأوائل لم يصنفوا أنفسهم أنهم أدباء إسلاميون في مواجهة مذاهب أخرى ، رغم ما كانت تعج به تلك العصور من مذاهب ونحل ومللل وأفكار ، وعلى أية حال كان الاتجاه العام هو التقبل .وفي حادثة محاربة الشعوبية إبان عصر الجاحظ مثالا حيا للدعوة إلى نبذ التصنيف المذهي والشعوبي.
و ريقاس ما يقوله الكاتب هنا عن اتلأدب الإسلامي ، عل ما واجهه بعض الكتاب والفقاهء والمفكرين من الجهة السياسية ، وهي أحداث جاءت في السياق الرئيسي والطبيعي للصراع بين رب السيف ( الحاكم ) ورب القلم ( المقف)

3- الهوية الإسلامية هوية انسانية جليلة وعامة ، وليست مذهبا فكريا محصورا في الدعوة والتشنج واللغة المقعرة.ويجب أن ألا ننظر إلى ما يسمى بالأدب الإسلامي نظرة المثقف المتعالي الذي يحصر كل شيء في حدود مذهب ، ونطاق فلسفة ، وقيود دعوة .
4- أن التصنيف المحدث هو تنصيف سياسي في المقام الأوائل من تأثير وتأثر ، بالمذاهب الحديثة التي ظهرت ومنها ما اختفى وسقط كالشيوعية والوجودية وغيرها.

5- استلهم الأدباء المسلمون في ( العصور الزاهية في عمومها) ، الكثير من قيم الإسلام الإسانية ولم تكن أعمالهم مجرد دعوة رسالية ولا تشنج ضد الغير.
6- ومن هنا فإن نجيب محفوظ أديب محسوب عل الأدب الإسلامي وهذه ليست مقولتي ، بل هي مقولة النقاد الغربيين ، وفي حيثيات تعريفه للعالم الخارجي. لماذا؟ لأنه ابن الثقافة العربية الإسلامية وهي متمثلة في كيانه قبل قلمه وفي أفكاره رد قبل صوته ، وإن كان له رأي في بعض مضامين هذه الثقافة فهو أيضا محسوب عليها ولا يفكه من إسارها ان صح التعبير أنه اختلف معها. ونظرة إلى سلمان رشدي وقضيته في روايته عن الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته والكم الهائل من التجريح والتشنيع الوارد في هذه الرواية ، ورغم كل هذا فإن الغرب يتعبره محسوبا علينا ، ولا يصنفه أبدا على أنه كاتب غربي مستنير !!!!!
.فان كانت هذه هي نظرة الغرب لنا وهي لعمري نظرة حقيقية واقعية ، فلاذا نلجأ نحن إلى التصنيف والرفض والعزل وتقسيم المجتمع وهذه سمة ليست في مجال الأدب فحسب بل في كل أنشطة المجتمع.

6- لابد أن نعترف أن بعض الأساليب المتبعة في الكتابة العربية كانت ثقيلة الوقع على الأذن ولكن هذه شكوى قديمة جدا ( إبان وجود سلامة موسى في بداية اقلرن الماضي،، وما حدث من تطور في الفكر العربي الحديث منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عل يد الرواد في مصر لدليل على قصر النظرة نحو الأدب الإسلامي وقراءة تاريخ تطورنا الحديث( الطهطاوي رائد التنوير ، مجلة الرسالة - جماعة أبوللو - معارك طه حسين - المنفلوطي و المازني - ومحمد حسين هيكل رائد الرواية العربية كاتب رواية( زينب) - وتيمور( عائشة التيمورية ) ومحمود سامي البارودي وحافظ وشوقي ، وأحمد محرم صاحب الألياذة الإسلامية ، ، وهدي شعراوي ، وعلي عبد الرزاق صاحب الإسلام وأصول الحكم ، ومحمد عبده ، والعقاد والحكيم، وأحمد لطفي السيد ) وغيرهم كثيرمن كتاب الشام والمهجر والعراق ممن لا يستع المقام لذكرهم هنا ، هؤلاء رواد النهضة الأدبية الحديثة , وهم نتاج الثقافة العربية الإسلامية ومحسوبون عليها. وهو سياق طبيعي للتطور يجب النظر فيه بدقة إذا أردنا تأصيل نظرة نقدية للأدب العربي الحديث.

7- الربط بين التشنج المذهبي والديني للجماعات المتشددة ، والتقعر في لغة الخطابة وبعدها عن الواقع وبين الأدب الإسلامي فيه ظلم كبير للأخير.
8- لا أدري لماذا الإصرار من بعض المثقفين على نقد الإسلام ( غير الحر من وجهة نظرهم ) من زاوية الحرية في الكتابة عن هامش الإباحية!!!!! وكأن لا شيء يهم البشرية سوى هذا الجانب الضيق المحصور في زاوية الشهوات وانطلاق الغرائز.
ولم ولن ينتقص كاتب أبدا في أي عصرمن العصور لو أنه تناول وعالج هذا الجانب بما يتطلبه الرقي البشري والسمو من التشريح ووصف العلاج أو ترك المجتمع ليصلح ومن زاوية ة فنية عالية الأداء والإبداع . والغزل في الشعروالأدب العربي متسع موضوعاتها وطرائق التعبير عنه واساليب كتابه.

أما الاكتفاء بتتبع نوازع الشهوة ، والاكتفاء باشباع رغبات الكبت عند بعض الكتاب فأمر يأباه حتى الأدباء والمبدعون الحقيقيون ، وتأباه الفطرة السليمة. والإسلام دين الفطرة.

الأدب العربي الحديث والمحسوب على الأدب الإسلامي من وجهة نظر الثقافة الغربية , أدب راق وغاية في الإنسانية والسموالإبداعي ويشتمل على فنون الكتابة القصصية والشعرية والروائية والنقدية أيضا وما أعمال محمد الماغوط من سوريا ،و الغيطاني وغيره من مصر ، ممن ترجمت أعمالهم للغات عدة إلا دليل على ذلك.وكتابات د . راغب عياد ود. شوقي ضيف ود.جابرعصفور في النقد , وغيرهم وغيرهم.من الكتاب العرب هم محسوبون على الأدب الإسلامي.


أخيراوليس آخرا :
الإسلام لم يأت كي يحجر عل الأشكال والهياكل والأدوات، الإسلام جاء روحا تصب في هذه البنى والهياكل روح العدل والإنسانية.
.
( أنتم أعلم بشئون دنياكم) صدق رسول الله صلعم.

الأدب الإسلامي ليس هو خطب يوم الجمعة بما لها وما عليها.
الأدب الإسلامي ليس هو أراء المتشددين والخوراج والجماعات التكفيرية ومفتيي القنوات الفضائية.

كما أن الإسلام ليس مذهبا سياسيا ولا اقتصاديا ضيقا , ومن هنا فلا يجب أن تكون له ميليشات وفكر وأدب مستقل عن حركة الحياة وتطور الإنسان ، الإسلام استلهام لكل قيم الحضارة النبيلة ,العدل والخير والحق التي يسعى إليها الإنسان .. أي إنسان .. في أي عصر وزمان.أما الأشكال والأطر والهياكل ، فلكل عصر فكره وهده وابداعه. الإسلام روح تحرك الأشياء وتصنع الحياة, وليس عمامة ومسبحة ولحية.

ومن هنا ، فإنني أرى أن مسمى الأدب الإسلامي مسمى مراوغ وشوفيني ضيق، إن كان في مواجهة داخلية ( عربية عربية ) لأن كل من يعيش على الأرض العربية هم نتاج الثقافة العربية الإسلامية ( راجع كتابات شعراء وأدباء الشام والمهجر من غير المسلمين في هذا الشأن).
أما إن كان في مواجهة الآخر في الغرب ، فهو مسمى خادع وضيق أيضا ، ( راجع النظرة الإنسانية للأدب الأدب العربي ، في الغرب ، والمؤلفات التي خطها كبار كتاب الغرب - كبرتراند راسل وغيره في هذا الشأن).

إذن نحن المحاصرون والمتعبون لأنفسهم بالتجزئة والحصر والتصنيف والمنع . ربما.



وتقبل خربشاتي.
ولك كل الود.