الطاغية وصناعة القتل، كيف تُنشِئ تنظيما معاديا لك أيديولوجيا، وتجعله يعمل لصالحك سياسيا (؟!)إن معظم ما يحدث في العراق وسوريا هو لعبة مخابرات قذرة، تستخدم "الاختراق الهابط" لخلق "ثقافات الدم" (!!)والضحية "شبابٌ عربي متدين ومتحمِّس"، أبعدوه عن "المعركة الحقيقية"، كي لا تكون هناك معركة حقيقية أصلا (!!)أسامة عكنانالطاغية في مسيرة عمله على ترسيخ طغيانه ونجاح مظالمه وسياساته، يعمل جاهدا على تحويل المعركة الناشبة بينه وبين فئاتٍ واسعة من الشعب، إلى معركة قائمة بين فئات متباينة من الشعب، ليظهرَ هو بمظهر البريء وصمام الأمان العامل على حفظ الأمن والاستقرار وحماية الأرواح والمرافق العامة والخاصة، لذلك فإنه لا يتورع عند اللزوم عن ارتكاب الجرائم التي يحاول أن يتقنَ إخراجَها بما يجعلها تظهرُ وكأنها جرائم يرتكبها المناوئون له، كي يُقْنِعَ أنصارَه والمحايدين والمتردِّدين وفئاتٍ واسعة أخرى من الشعب بأنَّ هؤلاء ليسوا في حقيقتهم مناوئين له بل للشعب ذاته، وبأنَّ وُجْهَةَ المعركة الحقيقية من ثمَّ ليست ضدَه، بل يجب أن تكون ضدَّ من يرتكبون تلك الجرائم التي تنحصر مهمته في استئصالهم واجتثاثهم دفاعا عن الشعب والدولة والوطن (!!)وهذا تاريخ الطغاة أمامنا فلنقرأه جيدا (!!) أروني طاغية واحدا لم يستخدم هذا الأسلوب قبل أن يَسْقُطَ ويتمَّ الإلقاءُ به في مزابل التاريخ (!!)وأروني طاغية واحدا لم نكتشف بعد عقود من سقوطه وظهور المستور عن حقبَته وعن أجهزة مخابراته، أنه لم يكن وراء عشرات الأعمال الإجرامية التي كانت تُنْسَبُ لمناوئيه، ووراء تأسيس العديد من التنظيمات التي كنا نقاتلها ونبغضها ونبني سياساتِنا ومستقبلَنا على قاعدة أنها حقيقة، في حين أننا كنا في حقيقة الأمر منجرفين وراء وهمٍ هو بأكمله من صنع الطاغية وأجهزة مخابراته ليس لا (!!)لقد بدأت الرحلة الحديثة لهذا النمط من أنماط محاربة المعارضين للطغيان، عبر اختلاق الأحداث الإجرامية القادرة على توجيه الحركة الشعبية والنضالية المناوئة لأنظمة الحكم وفلسفاتها وثقافاتها، نحو الأعداء السياسيين لتلك الأنظمة، وليس نحو تلك الأنظمة نفسِها، في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما لجأ بعض رجالات النظام هناك مُمَثَّلين في "مكتب التحقيقات الفدرالي/FBI"، بالتحالف مع بعض رجال الاحتكارات والمال الرأسماليين الصناعيين تحديدا ممثلين في "كارتل الصناعات الكبرى"، إلى تنفيذ أعمال عنف إجرامية أدت إلى قتل عشرات العمال المتظاهرين ضد أعداء حقوقهم النقابية، ولقد تمَّ إخراج أعمال العنف والجرائم تلك بشكلٍ أقنعَ الجميع بأنها من ترتيب وتنفيذ وتخطيط القيادات النقابية العمالية التي استخدمت أرواحَ ودماءَ العمال سلاحا لتحقيق أكبر قدر من التعاطف مع الحركة العمالية، ما أدى بسبب الحبكة المُتقنة إلى إدانة تلك القيادات وإعدام معظمها، فتراجعت الحركة العمالية الأميركية التي فقدت خيرةَ قياداتِها، والتي ضُرِبَت بهذه الخطة الأمنية القذرة في صميم تماسُك بنائها النقابي (!!) وبقي ذلك سرا مطويا إلى أن كشفه أحد المتواطئين في تنفيذه من "مكتب التحقيقات الفدرالي" أَنَّبَه ضميرُه، ليُعادَ النظر في كلِّ شيء، وليقفَ كلِّ الأميركيين حائرين في كيفية ردِّ الظلم عمن تمَّ إعدامهم بغير وجه حق، فلم يجدوا سوى أن يكون يوم إعدامهم هو ذكرى سنوية يتمُّ الاحتفال فيها بعيدٍ أطلقَ عليه "يوم العمل/ Labor day"، وهو أول يوم اثنين من شهر "أيلول/سبتمبر" من كلِّ عام، والذي انتقلت عدواه إلى العالم ليصبحَ هو "عيد العمال" الذي اختير له يوم الأول من "مايو/أيار" من كلِّ عام (!!)ثم أصبحت كلُّ أنظمة الطغيان تستخدمُ هذا الأسلوب الأمني الأميركي الإجرامي القذر والمتفرِّد في جرائميته في التاريخ الإنساني (!!)ما لا يعرفه الكثيرون أيضا حول الفكر المخابراتي والاستخباراتي المعاصر، هو أن هناك دورات أمنية متقدمة جدا يتلقاها بعض ضباط المخابرات رفيعي التعليم والثقافة من رتبة مقدم فما فوق عادة، يُطْلَق عليها "دورات الاختراق الثقافي للمجتمع وللقوى السياسية المعادية"، ومن بين تلك الدورات وعلى رأسها، دورة أمنية غاية في الخطورة هي بمثابة إجابة على السؤال التالي: "كيف تُنْشِئ تنظيما معاديا لنظامك أيديولوجيا، وتجعله يخدمه ويعمل لصالحه سياسيا" (؟!)ولفهم الفكرة والآلية المستخدمة في هذا السياق الأمني الاختراقي، يجدر بنا أن نفرِّق بادئ ذي بدء بين نوعين هامين وأساسيين من الاختراق الأمني تمارسهما أجهزة المخابرات عادة، وهما "الاختراق الصاعد" و"الاختراق الهابط"، فما هما هذان الاختراقان (؟!)"الاختراق الصاعد" هو الاختراق التقليدي العادي والبسيط والقائم على فكرة الزج بعناصر مخابراتية إلى تنظيم معين من خلال أطرافه وقواعده عادة، باعتبارها المناطق التنظيمية الأكثر هشاشة في أيِّ تنظيم، بغرض زرع تلك العناصر وارتقائها تنظيميا لتقوم بمهمة وحيدة ومحدَّدَة هي جلب المعلومات وفقَ نظام التقارير الأمنية التي تكون قد تدرَّبَت عليها، وهذا النوع من الاختراق متدني المردود، خاصة إذا كانت التنظيمات المستهدفة حديدية الطابع، وليس من السهل الترقي فيها عموديا أو قبول الأعضاء فيها أفقيا (!!)ولهذا السبب تطوَّرَ الفكر الأمني وابتدع نظام "الاختراق الهابط"، الذي لا يبدأ من الأسفل، وإنما يبدأ من الأعلى، ولكن وبسبب أنه لا يوجد أيُّ تنظيم يتيح الفرصة لاختراقه من الأعلى لأسباب موضوعية تتمثل في أن الانضمام إلى أيِّ تنظيم يبدأ من الأسفل وليس من الأعلى، فقد تطورت فكرة الاختراق الهابط باتجاه مبدإ غاية في الأهمية لا يقوم على شرخ تنظيم قائم، كما هو حال الاختراق الصاعد، وإنما على مبدأ خلق تنظيم موازي للتنظيم القائم، يكون من السهل خلقه من خلال فئة من الضباط عالية التدريب والكفاءة والتعليم والثقافة (!!)هذا النوع من الاختراق يقوم على مجموعة من القواعد تجعل النتائج المترتبة عليه غاية في الجدوى عادة لجهة تحقيق أهدافها المتوخاة. ومن أهم القواعد التي يقوم عليها "الاختراق الهابط" لإنشاء تنظيمٍ موازٍ لتنظيمٍ قائم يُرادُ هدمُه أو زعزعته وشقُّ صفه وبلبلة شعبيته، أو لخلق حالة غير مرغوبة جماهيريا، لتفريغ حالة أخرى موضوعية وواقعبة تحظى بالرغبة وبالولاء الجماهيريين من مضمونها ومن شرعيتها ومن جماهيريتها، والتشكيك بالتالي في مشروعيتها، أو لإنتاج البيئة السياسية والمجتمعية على نحو يؤسِّس لمشروعيةٍ ماَّ للطاغية ولطغيانه ولنظامه ولمرجعياته، على قاعدة أنه صمام أمانٍ يحمي الدولة من مخاطر الانهيار، والمجتمع من تهديدات القتلة والإرهابيين، ما يلي: * اختيار ضابط كفء جدا أمنيا ونفسيا وذهنيا، وبعيد عن أيِّ شبهة أن يكون معروفا لأيٍّ كان حتى لزملائه في الجهاز، حتى لو تطلَّب الأمر تكليف شخص من خارج جهاز المخابرات بعد ضمه إلى الجهاز لهذه الغاية بالذات وتحديدا، على أن يُصارَ إلى استكمال تثقيفه بالثقافة المناسبة لطبيعة التنظيم المستهدف، فيكون تثقيفه ماركسيا دياليكتيكيا ثوريا راديكاليا، إذا كان المستهدف إنشاؤه تنظيما ماركسيا، فيما يُصار إلى تثقيفه ثقافة دينية جهادية متشدِّدَة متناغمة مع الفكرة المُراد تأسيس التنظيم على أساسها، إذا كان هذا التنظيم المستهدف ديني الطابع (!!) * البدء في إبراز الضابط المكلف بإنشاء التنظيم الموازي في الأماكن المستهدفة التي تكثر فيها الفئات القابلة لأن تنتظم وتتجنَّد بسبب كونها غالبا فئات شبابية مندفعة وعقائدية ومتدنية الوعي والمعرفة الدينية (!!) * جعل الضابط المكلف يبدأ بإبراز مؤهلاته بشكل هادئ ورزين، والبدء بإظهار تبنيه لأفكار من تلك التي تبدأ تستقطب فئات هي غالبا شبابية من النوع المشار إليه (!!)* ثم في الوقت المحدد تبدأ عملية التنظيم وتشكيل الأنوية والخلايا، وإعداد الكراسات والوثائق السريَّة، والتحركات التوسعية ورصد مواقع النظام المستهدفة.. إلخ (!!) * وفي مرحلة محددة يتم اختيارها بعناية يتم وضع الرؤية العملية للتنظيم واختيار أهداف قابلة لأن تضرب عند الطلب والحاجة والتدرب عليها تحديدا.. إلخ (!!)* ستكون الخلايا التي تم تشكيلها والتي أصبحت جاهزة للتحرك معتقدة أنها تنفذ فكرا خاصا بها وتنصاع لقيادة مخلصة وعقائدية منتمية انتماء حقيقيا للفكر الذي ستموت لأجله، ستكون تلك الخلايا بمثابة خلايا نائمة لحين الطلب (!!)* وهكذا يكون قد تمَّ إنشاء تنظيم موازي مبرمج وجاهز لتنفيذ ما يراد في الوقت المناسب، دون أن يكون هناك أيُّ تصور لدى أيٍّ من أعضائه لواقعة أنه تنظيم يتحرك تحركا كاملا ضمن الدوائر التي رسمتها أجهزة المخابرات ووفق سياسات النظام الذي تعمل لأجله تلك الأجهزة المتغولة، وكأنه تنظيم مستقل يعمل باستقلال تام ووفق أجندته الخاصة، في حين أنه ينفذ إرادة النظام والطاغية الذي يمثله تنفيذا كاملا (!!)* ولأجل استكمال الدائرة التي يفترض ألا تثير الشبهات لاحقا، تُخْلَقُ كلُّ الحيثيات التنظيمية التي تتيح الفرصة لتحييد المؤسِّس الأول "ضابط المخابرات الكبير"، وإبعاده والتأسيس لعُزْلَتِه التنظيمية كي لا يُصار إلى التساؤل عن مصيره عند الصدام الذي ستترتب عليه اعتقالات ومحاكمات وتحقيقات وأحكام وربما إعدامات، أي أن ضابط المخابرات "الشيخ التقي المجاهد المفكر المؤسِّس" الذي أنشأ التنظيم سيغدو بشكل تنظيمي شرعي في معزل عن أيِّ سؤال من قبل النظام لاحقا، وحتى لو جرجرته التحقيقات والاعترافات، فإن واقعة انسحابَه من التنظيم وعزلته وابتعاده عنه قبل الأعمال الإرهابية ستجعله خارج نطاق المساءلة القانونية بطبيعة الحال (!!)* ولا تغفل أجهزة المخابرات التي أنشأت التنظيم الموازي هذا عن أن تخترقَه وكأنه مستقل عنها تماما بنمط "الاختراق الصاعد" أيضا لتكريس فكرة أنه تنظيم مستقل عندما تبدأ تكشف سيرورة العمل التنظيمي عن وجود تسريبات معلوماتية (!!)* وفي كل الأحوال وبسبب هذا الاختراق الأمني "الهابط" بالغ الخطورة، فإن التنظيم الذي تم إنشاؤه، يكون مهيئا للانشقاقات المدروسة التي يقودها الضباط الأكفاء الذين سيغدون هم الأتقياء الخُلَّص، وذلك كلما تطلبت الضرورات الأمنية لسبب أو لآخر، إعادة إخفاء بعض الخلايا لتعمل لاحقا، برؤية وممارساتٍ أكثر جذرية وعنفا يتم تبرير قوتهما ودمويتهما اللاحقة – التي ستغدو من الضرورات المخابراتية – بأنها – أي تلك الخلايا – انزوت وعادت للنوم مؤقتا بهذا الانشقاق، أو لتبريرِ تَشَدُّدٍ أكبر، إذا كانت ظروف مواجهة أعضاء التنظيم قد راحت تكشف عن تغيرات أيديولوجية بدأت بقبولها القواعد المغرَّر بها مخففة بها من حدة أيديولوجيتها، وإما لأيِّ سبب آخر تكشف الخطط المخابراتية عن أنه مبرر كاف لضرورة إحداث الانشقاق أو الالتفاف على التنظيم الأم للتمهيد لمرحلة قادمة. أي أن هذا التنظيم الموازي يكون قد امتص من القاعدة الشبابية خيرتها لصالح البناء الأيديولوجي المستهدف، وأبقاها تحت إشرافه، وتحت قيادته وسيطرته التأمتين للاستخدام الأمني الأمثل، بغرض التوظيف السياسي والمجتمعي المطلوب بحسب الطلب، خدمة للطاغية وللطغيان ولخططهما، فيما يظن الشباب الضحايا من أعضاء التنظيم الموجه بأجهزة التحكم عن بعد، أنهم يناضلون ويجاهدون خدمة لأيديولوجية ودين ورسالة وجنة عرضها السماوات والأرض.هذا هو "الاختراق الهابط" الذي يُعتبر أبشع أنواع الاختراق الثقافي والتنظيمي للمجتمع وللقوى السياسية العاملة، لأنه يخلق ثقافة جديدة جزئيا وليس كليا، لأنه لا يستفيد من خلق ثقافة جديدة بالكامل على هذا النحو الأمني في تحقيق غاياته المخابراتية، بسبب صعوبة تجسيد حالة واسعة من الاستقطاب التنظيمي المطلوب في مثل هذه الحالة، بينما يكون تحركة بالاختراق الهابط على هامش ثقافة قائمة، عبر التلاعب بها وتطويرها وحرفها وتجذيرها في هذه النقطة أو في تلك، هو الأمر المطلوب والمناسب، لأنه قادر على الاستقطاب وعلى توجيه الكتلة الشبابية كامنة العنف المحتمل، باتجاه أن تتحرك تحت إشراف مخابرات الطاغية بشكل كامل. ثم يبدأ هذا الإطار التنظيمي القائم على الاختراق "الهابط" يتحرك في ضوء تلك الثقافة والغاية المستهدفتين، ويشوِّش على القوى السياسية القريبة أيديولوجيا من الفكر الاختراقي الجديد، ويبلبل القواعد الشعبية التي ستحتار، وستبدأ تنقسم على ذاتها وتقف موقف العداء من التنظيم الأم الأصلي الذي كان يحظى حتى تلك اللحظات بالشعبية والجماهيرية لسبب أو لآخر، والذي كانت زعزعته وبلبلته هي المستهدفة أصلا بهذا الاختراق الهابط، فيضعف إلى أن ينهار (!!)هكذا تتحرك أنظمة الطغاة في هذه الأيام، وهكذا تعمل، وهكذا ترتكبُ جرائمَها، دون أن يعني ذلك أنه لا توجد من حيث المبدأ بعض التنظيمات الهزيلة التي تكون قد نشأت بثقافة كهذه وبفكر كهذا بمعزل عن أيدي أجهزة النظام، لكنها لن تكون فعالة مثل هذه التي خلقها النظام باختراقه الثقافي الهابط، ووجهها توجيها كاملا ومتقنا وفق خطة تقع بأكملها تحت سيطرته، لينتجَ بها ما يشاء لما يشاء وقتما يشاء (!!)دعونا نتتبع معا وعلى هامش ما نسمعه في وسائل الإعلام يوميا عن تنظيم "داعش" الذي يتم الترويج لواقعة أنه خرج من عباءة تنظيم "القاعدة"، والذي وصلت قوته حدا أسطوريا – بحسب تلك المسموعات الإعلامية المتداولة – جعلته يحتل محافظتين كبيرتين في سوريا هما "الرقة" و"دير الزور"، وثاني أكبر المحافظات العراقية "الموصل"، فضلا عن "سامراء" وقبلها "الفلوجة" في الأنبار، في مواجهة جيشين يفترض أنهما من أقوى الجيوش العربية في المنطقة، علما بأن هناك ما يشبه الإجماع الأمني والمخابراتي والإعلامي على أن هذا التنظيم تأسس عام 2013 – يعني بالأمس القريب – بعد أن خرج من عباءة تنظيم القاعدة الذي نستطيع الجزم بألا وجود له على أرض الواقع كما سيتبين لنا في هذا التحليل، ما يثير كل التساؤلات، ويجعلنا نأنس إلى أن أنواعا بشعة من الاختراقات الهابطة وملحقاتها – مثل الانشقاقات التي أشرنا إليها – تعمل على شكل ماكينة لتفريخ مكونات تنظيمية ضمن سياقاتِ أهدافٍ محدَّدة، يموت من خلالها آلاف الشباب العربي النبيل المتحمس لحمل بندقية يدافع بها عن أمة اقتنع بأنها معتدى عليها، وراح يبحث عمن يقوده في معركة يريدها ضد أعدائها لكنه لا يعرف قواعدها ووجهتها والفكر الثوري الذي يجب أن تقوم عليه وتستند إليه، فأتقنوا اللعب بعقله وعواطفه وإرادته ونُبله، لتوجيهه إلى مفرمة الموت والقتل والعبثية هذه.فلنتابع..لم يحدث في التاريخ أن استخدمت "كذبة" لتمرير "كذبة" أخرى كما استخدمت كذبة "العملية الانتحارية" لتمرير كذبة "تنظيم القاعدة" أو "كذبة "المتشددون الإسلاميون"!!!فإذا استثنينا العمليات الانتحارية التي نفذها طيارو فرق "الساموراي" اليابانيون المُحَدَّدُو الهوية نهاية الحرب العالمية الثانية ضد سفن الأسطول الأميركي، وعملية الطيار "جول جمال" السوري الأصل ضد السفينة البريطانية خلال حرب السويس في مصر عام 1956، وبضعٌ وعشرون عملية أطلق عليها وصف "استشهادية"، نفذها فلسطينيون أو لبنانيون معروفون ومحددون، سواء عبر أشرطتهم التي سجلوها قبل تنفيذ عملياتهم، أو من خلال بقاياهم بعد تنفيذها، معظمهم سقط في عمليات انتحارية نفذت في الفترة "1985 – 2005".. نقول.. باستثناء تلك العمليات المحدودة والقليلة، فإن كافة ما أطلق عليه وصف "عملية انتحارية"، وخاصة تلك التي ذاع صيتها واستفحل أمرها وانتشرت انتشار النار في الهشيم، منذ احتلال الولايات المتحدة الأميركية لأفغانسان فالعراق وحتى الآن، لا دليل على حدوثها على النحو الانتحاري المشار إليه، والمنطوَى في التوصيف المتعارف عليه في لفظة "انتحاري" كما جسدتها الأمثلة التي أوردناها.فمنذ أول لحظة احتل فيها الأميركيون أفغانسان، وحتى الآن، وعلى مدى السنوات الثمانية التي احتلوا فيها العراق، مرورا بكافة الأعمال الإرهابية الدموية التي حصلت في لبنان أو في سوريا أو في غيرهما، والتي نُسِبَت إلى تنظيم القاعدة، أو إلى إسلاميين متشددين، فإن كل ما وُصِفَ بأنه "عمليات انتحارية"، لا يخضع لمواصفات ومقاييس "العملية الانتحارية" التي أشرنا إليها على مدى سنوات القرن العشرين.ففي كافة العمليات التي وُصِفَت بأنها انتحارية منذ التاريخ المذكور، لم يقم الطرف المُعْلِن عن العملية بهذا الوصف، بتقديم أيِّ دليل على أنه صادق في دعواه بأن العملية "انتحارية"، عبر ذِكْرِ هوية أو اسم أيِّ انتحاري نفَّذَ أيِّ عملية، أو عبر تقديم أيِّ معلومة تدل عليه بصورة شخصية أو تشير إلى أصله وفصله بشكل قاطع، ولا حتى بشكل يُشتبه فيه. كما أن الجهة التي يُنسَب إليها تنفيذ تلك العمليات، والتي هي غالبا "تنظيم القاعدة"، أو أيُّ مُسَمَّى ينطبق عليه وصف "تنظيم إسلامي متشدد"، مشتق أو منشق أو متوالد من تنظيم "القاعدة"، لم تقدم أيِّ مؤشِّر تقليدي يدل على صحة ادعاء من ادعى، عبر شريط فيديو مسجَّل أعدَّ بشكلٍ مسبق، كما كان يفعل كافة الانتحاريين الفلسطينيين أو اللبنانيين لتوثيق استشهادية عملياتهم.إن هناك حالة غامضة من الإرسال، القائمة على الادعاء غير المُوَثَّق الذي أصبح يَتِمُّ التعامل معه باعتباره حقيقة مُصَدَّقة وغير قابلة للنقاش، في تعبير عن أكبر عملية اختراق لذهن المتلقي، عربيا كان أو غير عربي، لإيصال تصورٍ مستهدفٍ مفاده أن "تنظيم القاعدة" أو أي "تنظيم إسلامي متشدد" مُعَيَّنٍ أو غير معين، هم المنفذون، إما لتكريس المنهج المراد تكريسه – منذ اعتلى المحافظون الجديد بدءا بالرئيس "رونالد ريغان" في واشنطن وبرئيسة الوزراء "مارغريت تاتشر" في لندن سدَّة السلطة – وهو منهج ارتباط العنف والدموية والإرهاب بالإسلام والمسلمين، وبالتالي بالعرب، وبكلِّ ما ينبثق عنهما من مفاهيم وتنظيمات وقِيَم.قبل الظاهرة الجديدة في التعاطي مع فكرة "العملية الانتحارية"، وهي الظاهرة التي بدأت بغزو أفغانستان والتي ما تزال مستمرة حتى الآن، لم تكن هناك عملية انتحارية تم تنفيذها دون أن يكون منفذها معروفا ومُحَدَّد الهوية والشخصية والصورة، هذا إن لم يكن هناك شريطٌ مُسَجَّلٌ من قِبَلِه قبل التنفيذ، بأنه سينفذ العملية، ليوصي ويودع أحباءَه وأمَّه وأباه.. إلخ. أما منذ غاب ذلك النوع الواضح والجليِّ من الانتحاريين عن الساحة، لتظهر ظاهرة "الانتحاريون الجدد"، فإننا – مع الأسف – سمعنا عن مئات العمليات الانتحارية التي غدا تنفيذها كثيرا بشكل ملفتٍ للانتباه، دون أن نعرف بخصوصها كلِّها أيَّ معلومة أيا كان مستوى ثبوتها أو يقينها عن شخصيات منفذيها.ترى، هل تعتبر هذه الظاهرة أمرا عاديا، يُفترضُ أن نمرَّ عليها مرور الكرام، وألا نتساءلَ عن أسرارها وعن مُكَوِّنات هذا الخيط الهلامي الغامض فيها؟! وهل أن تنظيم القاعدة أو مشتقاته المُدَّعاة فعلا يقف أو تقف وراء كافة العمليات الانتحارية التي تحدث كل يوم في هذا العالم المترامي الأطراف، وخاصة في بلادنا العربية؟!دعوني استرجع معكم سيرة هذا التنظيم الأسطوري الذي كان وما يزال مُضْغَةَ الإعلام العالمي، ومَطِيَّة كلِّ القتلة والسفاحين والطغاة والطائفيين والمستبدين، إلى درجة أن راح لضخامته الأسطورية المُسَوَّقة للعالم، وهي الضخامة التي جعلت عباءته تضيق بعدد أعضائه الذين أقنعونا بأنهم يتناسلون كما النمل، يتمخض في كلِّ يوم وفي كل مرحلة عن بناءٍ تنظيمي عملاق يتمكن من أكل الأخضر واليابس في مخالفة لكل منطق ومعقولية في الفكر المخابراتي والأمني العاقلين، لدى عقلاء الأمن والمخابرات. لنسمع أول أمس عن "جبهة النصرة" كمولود من مولودات القاعدة المسخ، ولنسمع بالأمس القريب عن خلافات أدت إلى ولادة مولود مسخ جديد اسمه "داعش"، يختلف مع النصرة ويحمل السلاح في وجهها، وقد نسمع غدا أو بعد غدٍ عن تنظيم جديد اسمه "!!!!".. إلخ.فعندما كان تنظيم القاعدة قويا جدا في أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، كان واضحَ الأيديولوجيا والأهداف، ومحدود العمليات، وقلَّ المدنيون في مجموع ضحايا عملياته، هذا إن وُجِدوا أصلا.. هذا واقع لا نعلنه ولا نحن نعترف به، إلا من باب الإنصاف والتجرد في قراءة تاريخ هذا التنظيم المفترى عليه.ثم أثبتت الأحداث أنه عندما ضعف وتراجع، بدءا بالفترة التي سبقت أحداث "أيلول/سبتمبر 2001" وانتهت بما بعد سقوط نظام طالبان واحتلال كل من أفغانستان والعراق بقليل، أصبحت أيديولوجيته مبهمة وغير مفهومة، ومع ذلك كانت عملياته تزداد وتنتشر وتستفحل، وتتوسع رقعتها الجغرافية، ليكون المدنيون هم أبرز الضحايا في عملياته.وعندما اختفى تنظيم القاعدة من العالم أو كاد، منذ بضعة أعوام، أصبح قادرا على القتل والتفجير والتدمير في كل مكان عربي فيه أزمة، وأصبح أكثرَ شغفا بالدم والأشلاء العربية، مُرَكِّزا على المدنيين وعلى رأسهم النساء والأطفال العرب تحديدا، واختفت الأيديولوجيا عنه تماما، ليصبحَ القتل وحده هو هدفه وإستراتيجيته، بلا أيِّ توظيف سياسي لهذا القتل، وهو ما لا يفعله حتى القتلة المأجورون.لتكون النتيجة غير المتوقعه بعد أن أعلنت الولايات المتحدة أن تنظيم القاعدة أصبح من بقايا نيران رماد الماضي، ومن مُخلفات ذكرياته المريرة في الغرب غير الصارم أمنيا، أنه تحول إلى كابوس داهمٍ في ليبيا ولبنان والجزائر والمغرب وموريتانيا والعراق، وفي سوريا اليوم، وربما في الأردن غدا، وهي الدول الأكثر صرامة أمنية في العالم؟!أي أنه اختفى تماما من دول يسهل اختراقها أمنيا، وتعتبر أهدافا تناسب أيديولوجيته السابقة، ليصبح فاعلا بشكل غير مفهوم، في دول تستطيع اعتقالَ الذباب على الحدود قبل أن يدخل مع الهواء العابر، ليمارس أعمالا تتعارض مع أيديولوجته التاريخية المعروفة منذ تأسيسه!!طبعا هو لن يكون أبدا كابوسا لإسرائيل لأسباب من السهل معرفتها!!ألا يتعارض هذا المسار الذي تُناقضَ فيه المقدماتُ النتائجَ، مع المنطق الذي يؤكد على أن الوضعَ الطبيعي لأيِّ تنظيم في العالم، أن يرتبط توسعُّه بقوته، وضخامة عمله بثقله، وعملياته بأيديولوجيته، وطبيعة ضحاياه بحقيقة أهدافه، والعكس بالعكس، وليس العكس؟!لقد وَجَدَ بعض المراقبين الحاذقين الإجابةَ القاطعة على هذا السؤال:لقد تحول تنظيم القاعدة المقبور إلى فزاعة يستخدمها كل نظام عربي عندما يشاء، وأصبحت تلك الأنظمة أكثر قدرة على استخدامه على هذا النحو بعدما مات وتمَّ دفنه، لأنه لم يعد موجودا ليتحدث عن نفسه، أو ليدفع عنها هذه التُّهم بالقتل العبثي!!
أي أنه أصبح لكل نظام عربي، تنظيم قاعدتِه الخاص، الذي يتلون بألوان تنظيمات قائمة على الاختراق الهابط الذي شرحناه سابقا، والموجودة على شكل خلايا نائمة بـ "القوة"، تتحول عند المخاطر والأزمات التي تتهدد ذلك النظام إلى خلايا عاملة بـ "الفعل"!!
أي أن كل نظام عربي من أنظمة الطغيان والقمع والاستبداد، له بلطجيته وبلاطجته وشبيحته وزعرانه ومرتزقته الخاصين به.
في حين أن لكل تلك الأنظمة أداة بلطجة مشتركة يستخدمونها جميعا، كلٌّ بالشكل المناسب، وفي التوقيت المناسب، وبالمسمى المناسب، وبالطريقة المناسبة.
إنه تنظيم القاعدة الذي لم يعد له أيُّ وجودٍ فاعل على الأرض، يتجاوز اختطافَ غزالة شاردة، في بيداء قاحلة، لطلب فديةٍ يشتري بها خبزا وملحا وبعضَ الفاكهة، هذا إن وجد أصلا (!!)أيُّ أحمق هذا الذي يمكنه تصديق أن جثَّة تحللت في قبرها هي التي ترعبُ كلَّ هؤلاء الأحياء؟! بطبيعة الحال، ولأننا في السنوات العشرون التي شهدت أهم الأعمال الانتحارية الواضحة الأهداف، المحددة المنفذين، كنا بصدد انتحاريين عرب معظمهم إسلاميون، وأهدافهم محددة وواضحة تنصب باتجاه الاحتلال الصهيوني لأرضنا العربية في فلسطين ولبنان، فقد كان من الضروري أن يتمّ توظيف هذه الواقعة التي أخذت بعدا إعلاميا واسعَ النطاق، التوظيفَ الأمثلَ عند اللزوم. واللزوم يتأتى عند تحقُّق الرغبة السياسية في نسبةِ أيِّ عملٍ يُراد له أن يتحكّمَ في مسار ظاهرةٍ سياسية أو اجتماعية أو ثقافية معينة، إلى هؤلاء الإسلاميين. ولأن نسبة الحادثة إلى إسلاميين موجودين سيفضح اللعبة ماداموا قادرين على الإنكار والنفي، فقد كان من الطبيعي نسبة كلِّ شيء إلى تلك الجثة المتحللة "تنظيم القاعدة"، أو إلى مشتقاته المصنوعة مخابراتيا بالاختراق الهابط، مادامت قد اشْتُقَّت أصلا لتفعلَ ذلك، ما يعني أنها لن تقول "لا لم نفعل"، لأنها أصلا وجدت لتفعل، ضمانا لمساعدة "الطغاة، والمذهبيين الطائفيين، والمستبدين" على تعهير أيِّ نضال ومقاومة وثورة ضدهم، وتحويلها إلى ظاهرة قتل وإرهاب ليس إلا. ولهذا السبب ذاته، فإن انتشار هذه الظاهرة الانتحارية، كان يتسع ويتفاقم متناسبا بشكل طردي مع تداعي وتراجع واضمحلال وتضاؤل ذلك التنظيم.ولأن السيارة المُفَخَّخة التي لا تنطوي على انتحاري يُفَجِّرُها، قد يكون من السهل نسبتُها إلى أيِّ جهاز مخابرات، أو إلى أيِّ تنظيم إرهابي، بل إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل ذاتهما بلا أدنى تحفظ، فقد كان من الضروري أن تكون كافة العمليات المراد نسبتها إلى تلك الفزاعة كي تحظى بالمصداقية: "انتحارية" (!!) لأن أحدا لم يعوِّدْ العالم على الانتحار استشهادا إلا الإسلاميين. أي أن أيَّ عملية انتحارية لن ينفذَها لا يهودي ولا أميركي ولا جهاز مخابرات عربي.. إلخ، بل تنظيم إسلامي متشَدِّد، لا مفرَّ من أن يكون هو "تنظيم القاعدة" الميت كي لا يدافع عن نفسه، إذ لا توجد جثة تستطيع الدفاع عن نفسها، أو هي مشتقاته المصنوعة في مكاتب المخابرات، كي لا تعترض على ما يُنسب إليها، لأنها بالفعل قد تكون فعلته، مادامت قد خلقت كي تفعلَه، ومادام وقودها من ذلك الشباب المثير للأسى والحزن والقادر إذا وُجِّه الوجهة الصحيح على تحرير فلسطين والعرب بل وكل العالم، قد تم الإلقاء به في هذه المحرقة التي لا تبقي ولا تذر، وذلك كي لا يتشكَّك أحد في النسبة، وبالتالي في اللعبة كلها. ولم تقف المهمات التي تقوم بها مشتقات تنظيم القاعدة الميت، والتي أنشأتها أجهزة المخابرات بفكر الاختراق "الهابط" عند ما ذكرناه، بل هي راحت تتجاوزه إلى حدِّ إعادة توصيف المطالب الشعبية المشروعة في العراق، على قاعدة أنها مطالب هؤلاء المتشددين التكفيريين، كي لا يتعاطف معها أحد لا داخليا ولا إقليميا ولا عالميا. ففي العراق المنكوب، وبإزاء واحد من أكثر الأنظمة الطائفية تطرفا وتكفيرية في العالم، بقيادة أكثر رؤساء الوزراء قماءة ودموية، والمنضم لأحد الأحزاب المذهبية الأكثر تكفيرية في الكون وهو "حزب الدعوة"، كان لابد أن يكون تنظيم "داعش" هو الشماعة الكبرى، والفزاعة التي لا يُشق لها غبار، والتي يجب أن تُنسب إليها كل الأعمال التي ارتبطت بالمطالب المشروعة للعرب السنة هناك، في دولة قفزت على كذبة الديمقراطية والتعددية والفساد، لتخلق لنا أكبر الدول فسادا وطائفية وبعدا عن الديمقراطية في العالم.نعم، كي لا يكون ما يحدث في العراق منذ قرابة العام تجسيدا لمطالب وطنية وقومية عروبية مشروعة تعمل على إعادة القاطرة إلى السكة الصحيحة، وعلى إعادة العراق إلى مثواه العروبي الأصيل، الذي شاءت طبيعة البُنية العراقية الراهنة أن يكون عرب العراق السنة هم طليعته لأسبابٍ لا تخفى على أحد، لإنقاذ العراق من الهاوية التي ألقاه في أتونها التكفيريون الشيعة الغارقون في أحضان إيران.. نقول.. كي لا يكون ما يحدث في العراق منذ عام أو أكثر موصَّفا على هذا النحو الصحيح والموضوعي قومي الطابع، فقد كان لابد من أن يكون الطرف الآخر الذي يواجهه التكفيري الأول "نوري المالكي" هم "التكفيريون السنة"، وليس "العراقيون القوميون الوطنيون العروبيون"، ولذلك فلابد أن تتحرك داعش وغير داعش عند الضرورة، ولابد من أن يتمَّ جعلها تتصدر المشهد على أرض الواقع، بصرف النظر عن حجم الصحة في ذلك، إذ أن الصحة لم تعد دليلا على الحقيقة، مادامت هذه المشتقات البائسة التي تُنْسَب إلى جثة "القاعدة" التي ما تزال تلد حتى بعد أن تحللت منذ سنين، قد خُلِقَت في مكاتب المخابرات لتظهرَ عند الطلب بحسب الطلب. تحضرني في هذا المقام حادثة رواها لي عراقي تعرفت عليه في عمان منذ تسع سنوات:قال لي أنه كان في سيارته "الهونداي" يمر في أحد شوارع بغداد، عندما أوقفه حاجز للقوات الأميركية ليفتِّشَ سيارته.. أثناء انشغال جندي بالتفتيش، انفرد به جندي آخر مبعدا إياه عن سيارته ليسأله ويفتشه تفتيشا ذاتيا.. إلخ.. ثم بعد أن انتهى التفتيش الذاتي والتحقيق، عاد به إلى سيارته حيث كان الجندي الأول قد أنهى تفتيش السيارة..انطلق الرجل بسيارته والجنود يضحكون بشكل أثار استغرابه واستهجانه وقلقَه..بعد حوالي خمس مائة متر انتبه لسيارةٍ خلفَه تُلِحُّ عليه بالوقوف عبر صوت المُنَبِّه الذي لم يتوقف لحظة..توقف الرجل خائفا قلقا بعد أن حشره سائق السيارة الذي كان يلاحقه، وهو يرتعد من الخوف، فظاهرةٌ كهذه في بغداد في ذلك الوقت لم تكن تعني إلا "الموت المذهبي"..نزل صاحب السيارة مستعجلا واتجه نحوه وهو يلتفت في كل مكان، وصاحبنا يرتعد خوفا وينتظر مصيرا يجهله.انحنى الرجل نحوه وطمأنه وأخبره بأنه رأى الجندي الأميركي الذي كان يفتش سيارته يضع له فيها – في الدّبَّة الخلفية تحديدا – جسما غريبا في حقيبة يد، وأنه كان يلتفت وهو يضعها كي لا يراه أحد..اطمأن الرجل على مصيره من لهجة محدثه، ولكنه شعر بالقلق مما يسمعه، وهبط مسرعا ورافقه الرجل ليريا ما الذي وضعه الجندي..فتح الدَّبَّة الخلفية، ثم فتح الحقيبة مسرعا، ليجد قنبلة موقوتة بزنةِ عدة كيلوغرامات من الـ "تي إن تي"، عرف أنها كانت ستنفجر بعد عدة دقائق..تمكَّن بحكم الخبرة على ما يبدو، لأنه كان خبير متفجرات في جيش العراق أيام صدام حسين، من أن يُفَكِّكَ العبوة بسرعة..
هذا هو "الانتحاري" الذي كان سيعلَنُ عن أنه فجَّرَ نفسَه في سيارة مفخخة في شارع كذا في سوق كذا في بغداد في تمام الساعة كذا، مستهدفا المدنيين الأبرياء!!!!!!
واللبيب بالإشارة يفهههههههههههههههم..