تسول الحق، والألفة مع الباطل، والخوف من الجديد، والبداوة السياسية، هي مكونات ثقافة المواطن الأردني، وبها استعبده النظام الوظيفي الهاشمي تسعين عاما، ولن يتحرَّر الشعب الأردني ما لم يتحرَّر منها،،، بقلم أسامة عكنان (!!)

ArabNyheter | 2014/04/15لا يوجد تعليقات

وبالتالي فيجب أن تقوم ثقافة التغيير والتحرير في الأردن على ما يلي:إسقاط ثقافة العصبية، وإسقاط فكرة أن الهاشميين هم صمام الأمان والمرجعية الأساس في الدولة الأردنية واعتبارهم أساس الكارثة، وإسقاط فكرة الفوضى والانهيار وفقدان الهوية، في حال الخروج على البناء العصبي القبلي للمجتمع وللدولة، وهدم الأسطورة الاقتصادية التي ترتكز إلى ادعاء فقر الأردن بالموارد الطبيعية الموجبة للاستقلال في القرار السياسي، وترسيخ ثقافة مجتمع ودولة الحرب والمقاومة، اقتصادا وإعلاما وعمرانا (!!)

أسامة عكنان

أ – أهمية الثقافة في أيِّ مشروع للنهضة
إن أيَّ مشروعٍ للنهضة الحضارية في أيِّ مجتمع، قائمٌ في الأساس على مشروعٍ لنهضةٍ ثقافية أسبق منه يمثل وعاءَه وحاضنتَه والرافعة التي تنتقل به إلى مراحله المتقدمة، وتعطيه هويته الخاصة. النهضة الحضارية تبدأ بنهضة ثقافية تهدم ثقافة بائدة، لتبني ثقافة جديدة، تؤسِّس وتؤصِّل لكلِّ السياسات الأخرى التي تُعتبر بُنى فوقية بالقياس للثقافة التي تُعتبر بُنية تحتية أساس لا غنى عنها؟!ليست الثقافة أمرا ترفيا لا علاقة له بالنهضة وبالسياسة وبالاقتصاد، ولا هي ندوة شعرية هنا، وسرد قصصي هناك، أو مسرحية يؤديها هواة في مسرحٍ شعبي. إنها البيئة القِيَمِيَّة التي تسبغ الأداء الذهني والسلوكي للأفراد بطابعها الخاص. وإنه من قبيل التضليل القول بأنه ليس من مهمات النظام السياسي الاضطلاع بأدق تفاصيل العملية الثقافية، خاصة في دول ومجتمعات تنهض من براثن الاستبداد والتبعية والظلم. إن الثقافة أبعد ما تكون عن اعتبارها شأنا متعلقا بالنخب وبالأدباء والكتاب والفنانين فقط. إن "العصبية" ثقافة، وإن "تقديس المَلِك" ثقافة، وإن "الولاء للأشخاص أيا كانوا" ثقافة، وإن "الفساد" الذي استشرى في كل أوصال الدولة والمجتمع هو أيضا ثقافة، كما أن "المواطنة" ثقافة، و"الانتماء" ثقافة"، و"الحرية" ثقافة، وإن "العدالة" ثقافة، وإن "التشاركية والتعددية"، واحدة من أهم الثقافات، وإن "الاختلاف السلمي" ثقافة، وإن "روح العمل التطوعي" ثقافة، و"الإرهاب" و"الترويع" ثقافة، و"الامتناع عن الغش" ثقافة، و"الرقابة الذاتية" ثقافة، و"الإحساس بالمسؤولية العامة" ثقافة، كما أن "الحق" و"الواجب"، و"الرضا" و"الخنوع"، و"التمرد" و"الاستسلام"، و"الاستجداء" و"التحدي"، كلُّها ثقافات، وإن "النقد البناء" ثقافة، وإن "الشجاعة وعدم الخوف من الحاكم" ثقافة، وإن "روح القمع" ثقافة، وإن "الألفة مع الباطل" ثقافة. بل إن أبشع أنواع الثقافات المدمرة للإنسان أداءً وعطاءً، "انطواء الذهن على تعايشٍ بين التناقضات القِيَمِيَّة"، كتلك المتمثلة في فهم أن الإسلام لا يقدس شخصا ولو كان نبيا، ويحاسب الكل ولو كانوا حواريين، في حين يتم رفض محاسبة "شخص الملك" والقبول بسمُوِّه التأليهي وعدم محاسبته بتأسيسات وتأصيلات دينية إسلامية.. إلخ.لكل نظامٍ وظيفي مستبد ثقافتُه التي يرتكز إليها، ومثقفوه الذين يدافعون عنه ويتبنَّوْنه ويُرَوِّجون له. وبتلك الثقافة وبهؤلاء المثقفين، يعمل النظام على تأصيل سياساته وتكريس أيديولوجيته، وعلى تدعيم نفسه بين أفراد الشعب، مستخدما في ذلك ما يتاح له من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بدءا بالمدارس، مرورا بدور العبادة، وانتهاء بكافة وسائل الإعلام وبالجامعات ومعاهد التعليم العالي، ومختلف المؤسسات الفنية والإبداعية، مستهدفا المُواطِن منذ ولادته، عبر إعادة إنتاج الثقافة الأُسَرِيَّة التي يتأسَّس في أحضانها ويتكون من خلال تقاليدها، متطورا معه خطوة خطوة، مؤسِّسا للولاءات في نفسه وروحه وعقله بناءاتٍ جديدة، بما يتناسب مع تركيبة المصالح الطبقية التي يمثلها ذلك النظام، والمهمات الوظيفية التي يمرِّرُها ويدافع عنها. ومن هنا يفقد الفعل التغييري الثوري مضمونه وقدرته على الإنجاز الحقيقي، إذا لم يضع ضمن مشروعه السياسي النهضوي الحضاري تفاصيل البناء الثقافي الذي يسعي إلى تجسيده في المجتمع على الصعيدين الفردي والجمعي من جهة، وإذا لم يحدِّد الأدوات التي سيستخدمها لإنجاز ذلك البناء الثقافي من جهة أخرى.إن أيَّ ثورة يعَبِّر عنها حراكٌ شعبي ما ضد نظام من "أنظمة اللاحرية" و"اللاعدالة"، والقمع والاستلاب والاستبداد، يجب أن تُخاضَ أولا وعلى مدى زمني تقرره الطبيعة الجيواجتماعية والجيوسياسية للمجتمع، على صعيد الثقافات. ثقافةٌ تدافع عن النظام، وعن شرعيته المزيَّفَة، وعن عدالته المزعومة، وعن حقوقه المدَّعاة، وعن إنجازاته المُفتراة، وعن رموزه المحترمة والمقدسة ذلك الاحترام وتلك القداسة المُزَوَّرَين، وعن محبة الناس له وولائهم لرجالاته، وثقافةٌ تقاوِمُ ذلك وتكشف عن سوءات النظام وقمعه وظلمه وقلة إنجازاته وضرورة التعامل معه من على قاعدة انتفاء كلِّ الرمزيات والقداسات وأنواع السُّمُو.إن أيَّ حديث عن الحراك الشعبي أو عن الثورة الشعبية، إنما يقوم في الأساس على الاعتراف غير القابل للجدل بحالة التَّخلف والقهر والاستبداد والاستفحال الطبقي، باعتبارها حالة الواقع الذي نسعى من خلال الحراك ومن بعده الثورة لتغييره والنهوض به. إن هذه الحالة التي نتحدث عن ضرورة التخلص منها بالثورة، إنما حدثت في الأصل بسبب عدم قدرة أفكارنا ومُخْرَجات ثقافتنا على التجاوب مع متطلبات واقعنا في سيرورته التاريخية، كما فرضت نفسها علينا في خضم مختلف أشكال المواجهات والصراعات التي نَسْبَحُ في أتونها، ما جعل ذلك الواقع يستسلم أمام زخم الهجمة في الثقافة الضد، رغم أنها ثقافة تنطوي على مناكفة للمسار التقدمي الطبيعي لحركة التاريخ.لا يمكن لشعب أن يثور كي ينهضَ من براثن الاستبداد والظلم، ما لم ينطلق في معركة نهضته من معالجة النقطة التي سببت هذا الاستبداد وذلك الظلم، ألا وهي البُنْيَة "الثقافية" التي حصل ذلك الطلاق المُرَوِّع بينها وبين حركة الواقع، مؤديا إلى ذلك الانحدار إلى أتون الظلم والاستبداد والطبقية. والشعب الأردني – شأنه في ذلك شأن باقي الشعوب – يجدر به أن يؤسِّسَ لثورته بثقافةٍ ثورية تنبع من صميم مشكلاتِه الخاصة التي أنتجت حالةَ "الاستبداد الأردني"، وظاهرة "الوظيفية الأردنية".. إلخ.ب – الذهنيات التي تحكم ثقافة المواطن الأردنيإن هناك العديد من الذهنيات التي تتحكم في تشكيل ثقافة المواطن الأردني، مثل ذهنية "تسوُّل الحق"، وذهنية "الأُلْفَة مع السائد"، وذهنية "الخوف من الجديد"، وذهنية "البداوة السياسية"، وذهنية "قمع الآخر".. إلخ، الناجمة كلُّها عن ثقافة "العصبية"، والمؤدية إلى مأسَسَة الفساد وتحويله إلى "ثقافة" عامة، وليس إلى مجرد حالات خارجة عن القانون.إن لكل ذهنية من الذهنيات السابقة دلالاتها في الواقع الموضوعي، وهي عندما تتفاعل بعضها مع البعض الآخر، فإنها تُنْتِج في هذا الواقع أداءاتٍ تظهر على شكل محاربةٍ لـ "الفكرة"، ومعاداةٍ لمبدإ "المأسَسَة"، وتناقضٍ مع فكرة "القانون"، أو بكلمة أخرى، تظهر على شكل محاربةٍ لاستخدام العقل الاستخدامَ الأمثل.1 – تنطبق ذهنية "تسوُّل الحق" على من يستجدي حقوقَه ولا ينتزعها ممن اغتصبها منه، معتبرا أن هناك من يحق له أن يفكرَ عوضا عنه، وأن يكون صاحب القرار بدلا منه، في تقرير شكلِ حقوقه ومداها ومصيرها وسقوفها وأنماط التعاطي مع مغتصبيها، ارتكازا إما إلى مرجعيات دينية أو مذهبية أو عائلية، مثلما هو الحال تماما في "العشيرة" و"القبيلة" و"الحمولة" و"الجماعة الدينية"، حيث يكون "كبير العائلة" أو "أمير الجماعة" هو الوصي على الجميع والنائب عنهم في صياغة أشكال التعاطي مع منظومات الحقوق تلك، بعيدا عن المأسَسَة المفقودة في الأعراف العشائرية والقبائلية والحمائلية والجَماعيَّة.2 – أما ذهنية "الألفة مع السائد" حتى لو كان باطلا، فتنطبق على من يألف الواقعَ ويتوَحَّد معه إلى درجة التردُّد في تغييره أو حتى في قبول فكرة تغييره مهما كانت دواعي هذا التغيير عميقة وضرورية ومُلحَّة، لأنه يتوجَّس من الجديد ومن تَبِعَةِ البدء في بناء الألفة معه. إنها ذهنية ترتكز إلى الاستكانة والهدوء والدَّعَة وخشية الصخب الناتج عن التغيير أو المُرَافق له عادة.3 – أما ذهنية "الخوف من الجديد" فهي تنطبق على من كثرت ثوابته الأسطورية والخرافية البعيدة عن العلم. ولأن الثابت الأسطوري والخرافي محفوف بالمخاطر دوما، وعلى رأسها مخاطر التردي والانهيار أمام ما يشع به الواقع من إمكانات تُعَارِضُ تلك الثوابت، فإن مساحةً هائلة من خشية المساس بها – أي بتلك الثوابت – تبدأ بالهيمنة على ذهن المعني بالأمر. وتتفاقم مؤثرات هذه الذهنية في الغالب لدى من يتواجد في واقع متغير ومتقلب يؤمن بضرورة التعامل معه من جهة، في الوقت الذي تزخر معتقداته الموروثة بكَمٍّ هائل من الثوابت اللاعلمية واللامنطقية التي تحول بينه وبين كفاءة هذا التعامل من جهة أخرى.4 – ثم تأتي بعد ذلك ذهنية "البداوة السياسية" لتستكملَ رحلة "التَّسَمُّم الذهني" الذي يعاني منه المواطن الأردني، وهي تقوم على قناعته بأنه متمَيِّز بعقلية البداوة وبأعرافها، حتى وهو يجسِّدها في السياسة والعمل المدني، حيث يُفْتَرَض ألا مكان سوى للمأسَسة والفكرة. فعندما يتوهم المواطن الأردني أن تميُّزَه متحققٌ بسبب انتمائه إلى "القبيلة"، التي هي بطبيعتها المولِّد الحتمي للشوفينية والعنصرية والاستعلاء، عندما تتجاوز دورها الاجتماعي الترابطي، إلى أن تكون أساسا مرجعيا لدور سياسي فاعل، فإن رابطة "القبلية" وفكرة "البداوة"، ستحظيان لديه بنوعٍ من القداسة والاحترام والتقدير التي لا ينطوي عليها "البرنامج"، والتي يفتقر إليها "القانون"، والتي لا تضاهيها "المؤسسة"، حتى في العمل السياسي، إلى درجة انتشار ظاهرة "البداوة السياسية" بشكل وبائي، سواء على مستوى النظام ومؤسساته، أو على مستوى المعارضة الحزبية وطريقة أدائها، أو على مستوى الحراك الشعبي ومخرجاته التنظيمية. والبداوة السياسية تعني – لمن لا يعرف – تَحَكُّمَ قيمِ البادية وتقاليدها وأعرافها، حيث الدور الأبرز لشيخ العشيرة، وحيث منطق الوصاية الأبوية غير المؤسسية في الحكم وفي اتخاذ القرارات، وحيث كثرة الخطوط الحمراء وسقوف الممنوعات في التعامل مع فكرة "الرموز" و"الطواطم" العشائرية والدينية.. إلخ، في سيرورة الفعلين السياسي والمدني.يشعر المواطن الأردني بألفةٍ دائمة وحميمة مع ما هو سائد من "ثقافة عصبية" ومن "بداوة سياسية"، ويحسُّ بأن تميُّزَه في الدولة على الصُّعد القانونية والسياسية والحقوقية والاقتصادية قائم على بقاء هذا المألوف وعلى استمراره في حياته بصورته التي أَلِفَها، فيخاف من أيِّ محاولةٍ تَنْصَبُّ باتجاه المساس بالصورة المألوفة لثقافته، لأنها محاولة لا تُقرأ في لا وعيه إلاَّ تحت عنوانِ هذا المساس بمألوفاته وبتميُّزِه بالتالي. فَيُحاَرِبُ وعيُه دفاعا مستميتا عمَّا هو كامن في لا وعيه، كلَّ من يتصدى لهذه المهمة – مهمة المساس – ويقمعه بكل ما أوتي من قوة.ولما كانت ثقافة "الفكرة" هي سيدة المبادرة دائما، فقد وقع عليها عبءُ دفع الثمن. وذهنية المواطن الأردني في صراعها مع ثقافة "الفكرة" – عدوة مألوفه وتميُّزِه الزائفين – لا تجد نفسَها معنيةً بغير الذود عن هذا المألوف وعن ذلك التميُّز، بصرف النظر عن مدى حاجتها – بالاستناد إلى مقاييس موضوعية – إلى هذا المألوف، أو عن مدى صدق ادعائها – بالاستناد إلى تلك المقاييس نفسها– التميزَ بناءً على التدثُّر بعباءاته.ج – كيفية تخليص المواطن الأردني من عدائه لثقافة الفكرة ومن خضوعه لثقافة العصبيةبدايةً يجب أن نؤكد على فرقٍ جوهري بين المُكَوِّنات الثقافية لأيِّ مشروع سياسي ومُكَوِّناته الأخرى، دستورية كانت هذه المُكَوِّنات أو اقتصادية أو غيرها. فإذا كان الجانب الدستوري متمثلا في تجسيد شكل نظام الحكم المراد إنجازه، وإذا كان الجانب الاقتصادي متمثلا في تنفيذ الحلول المُخْرِجة من الأزمات والمحقِّقَة للتنمية الحقيقية، لا يمكن البدء بتنفيذهما بأيِّ مستوى من مستوياتهما قبل تغيير النظام، وقبل تواجد حَمَلَةِ المشروع السياسي الذي يطرحهما، في السلطة بشكل فعلي، فإن المُكَوِّنات الثقافية للمشروع ترافق الفعلَ الحراكي ومن بعده الفعلَ الثوري، حتى وهما مجرد مشاريع خارج السلطة.أي أن البرنامج الدستوري، ومثله البرنامج الاقتصادي، ومن خلفهما البرنامج التشريعي المقنِّن لهما، تبدأ جميعها بالتحوُّل من مجرد نظريات ومقولات ودراسات وأبحاث وبرامج معروضة في السوق السياسي، إلى ممارسات متجسِّدة فعليا، مع استلام حملةِ المشروع السياسي للسُّلطة في الدولة على أنقاض النظام، في حين أن البرنامج الثقافي في المشروع، يُصار إلى البدء بتنفيذه منذ اللحظة الأولى لاستقطاب البُنى التنظيمية والخلايا الحركية المؤسِّسَة للفعل الحراكي الحامل للمشروع السياسي. ومع ذلك فإن البرنامج الثقافي هذا يتواصل خلال تنامي الفعل الحراكي، وعند تحوُّلِه إلى فعل ثوري، ولا يتوقف بوصول حملة مشروع الحراك أو الثورة إلى السلطة، بل هو يواصل مسيرتَه لاستكمال إعادة إنتاج ثقافة المجتمع من خلال وجود حملة المشروع الذي يقوم عليه في السلطة، عبر الاستفادة من أدوات السلطة وماكينتها.إن هذه الطبيعة المفارقة للمُكَوِّنات الدستورية والاقتصادية والتشريعية، والكامنة في المُكَوِّن الثقافي للمشروع السياسي، ناتجة في الأصل عن أن أيِّ تغيير إنما يبدأ في الأساس ثقافيا، أي على مستوى البُنْيَة الثقافية المجتمعية، وبالتالي فحتى النُّخَب الأولى والأنوية البشرية للعمل التغييري، لن تكون مؤهلة للبدء في الدعوة إلى مشروعها السياسي، إذا لم تكن قد تخطت هي نفسها عتبة إعادة إنتاج ثقافتها الذاتية على ذلك النحو الذي أسَّس للمشروع السياسي الذي تحمله وتبشِّر به ذاته. ثم هي لن تستطيع أن تُنجِزَ أيَّ عملية استقطاب جماهيري لصالح مشروعها السياسي هذا، دون أن تتحرك باتجاه إحداث اختراقات نوعية في جدار الثقافة السائدة عبر اختراق أذهان وسلوكات الأفراد والتجمعات الشعبية في المجتمع.إن أيَّ توسُّعٍ في عمليات الاستقطاب الشعبي لصالح المشروع السياسي، ناتجٌ في الأساس عن النجاح في إعادة إنتاج ثقافة هؤلاء الذين تم استقطابهم، ليصبحوا حملةً للمُكَوِّن الثقافي الجديد بمشروعه السياسي الجديد. ولأن التغيير في المجتمعات يحدث في العادة بأعدادٍ قليلة جدا من حملة المشاريع السياسية ومُكَوِّناتها الثقافية من ثمَّ بالقياس بالتعداد السكاني العام، فمن الطبيعي أن يكون الشطر الأكبر من أفراد المجتمع – وهم أولئك الذين لم يسهموا في التغيير، ممن يطلق عليهم عادة اسم الأغلبية الصامتة، فضلا عن أعدادٍ لا يستهان بها ممن شاركوا في التغيير لأسبابٍ ليس بالضرورة أن تكون مُؤَسَّسَة على اعتناق المشروع السياسي بدءا بمُكَوِّنه الثقافي – ما يزالون خارج نطاق الانصباغ بالصبغة الثقافية للمشروع السياسي الذي أحدث التغيير.ومن هنا تأتي فكرة الاستمرار في عملية إعادة الإنتاج الثقافي في المجتمع، جنبا إلى جنب مع البدء بإعادة الإنتاج الدستوري والاقتصادي والتشريعي.. إلخ. وبناء على ذلك تقوم الضرورة في أن تكون ضمن المشروع السياسي أدوات واضحة لتطبيق حيثيات المُكَوِّن الثقافي في ذلك المشروع في مرحلة ما بعد استلام السلطة من قبَل حَمَلَته. ففي الوقت الذي يبدأ فيه القادة الجدد للدولة بتطبيق المُكَوِّنات الدستورية والاقتصادية والتشريعية في مشروعهم السياسي لإعادة إنتاج الدولة على أساسها، بحسب الآليات والأدوات التي تكون محددة في مشروعهم، فإنهم في واقع الأمر يستكملون – ولا يبدأون – تطبيق المُكَوِّنات الثقافية لمشروعهم السياسي ذاك. وبالعودة إلى تحليل ظاهرة معاداة المواطن الأردني لثقافة الفكرة، نؤكد على ألا سبيل إلى تخليص هذا المواطن من تحكُّم ثقافة العصبية في أدائه وتفكيره وسلوكه، إلاَّ بتخليصه من ذهنيتي "الألفة مع السائد" و"البداوة السياسية"، ومن ثم من نتائجهما. فمادام قمعُ ثقافة "الفكرة" ناتجا في الأساس عن الخوف منها بسبب مساسها بـ "المألوف" المرتكز إلى "البداوة السياسية" والقائم عليها، فيجب أولا أن تتحطم في أغوار الذهن المتعايش مع الأُلْفَة، مرتكزات تلك الألفة، أي يجب أن يتحرر المواطن الأردني من وطأة الألفة وثقلها على تفكيره ومردودها في حياته. يجب أن يتحرَّر من ألفة أيِّ شيء تُعْتَبَرُ أُلْفَتُه في الوقت الحاضر متعارضة مع التقدم والتطور والقفز إلى آفاق المستقبل. إن هناك – بمعنى آخر – معايير جديدة للتميُّز تحكم مسار الحضارة الإنسانية في لحظتها الراهنة، يجب على المواطن الأردني أن يُعيد بناء ذهنياته وِفْقَهَا وفي ضوئها.يجب أن تتحطم في ذهن المواطن الأردني وتتفكَّك إذن لبناتُ "الأُلفة مع السائد"، ولبنات "البداوة السياسية" – بالصورة التي وضحناها لهما فيما مضى – كي تُحَلَّ مشكلته المستحكمة والمتمثلة في موقفه العدائي من ثقافة "الفكرة"، وفي موقفه الموالي بشكل شوفيني لثقافة "العصبية". لأنه إذا تحرَّرَ من عُقْدَةِ المألوف، فلن يعود هناك ما يخيفه من الجديد الذي سيمَسُّ بهذا المألوفَ بالتأكيد. وإذا هو تحرَّر من عقدة "البداوة السياسية" المرتكزة إلى هذا المألوف، وأقام فلسفة تميُّزِه على عناصر ومُكَوِّنات جديدة أكثر ارتباطا بالفكرة وبقيَم الحضارة الإنسانية، فإنه لن يخشى على تميُّزِه هذا إذا تمَّ المساس بمرتكزه الحالي الموهوم، تعديلا وتطويرا وتغييرا. وبالتالي فإن عُقْدَة الخوف من أداة هذين المساسين والتي هي ثقافة "الفكرة" ستتفكَّك لوحدها وسوف تختفي من ذهنه، ليجدَ نفسَه وقد تخلَّص منها نهائيا، ولن يغدوَ مضطرا إلى معاداة ثقافة "الفكرة" التي كانت ترعبه وتَقُضُّ مضجعَه فيما مضى، بل هو مضطر إلى مصادقتها وإلى استحضارها دائما، كي تكون عونا له على تشكيل مرتكزات تميُّزِه الجديدة وبناء مألوفاته الجديدة.فهل أنجز الأردنيون هذا المشروع الثقافي الذي لا مجال لأن ينجزوا ثورتَهم بدونه بوصفه المقدمة الضرورية لها، بعد تسعين عاما قضاها النظام وهو يحفر في أرواحهم أساساتٍ عميقةُ لثقافة "العصبية" الموغلة في بدائيتها، والتي ما نزال نشاهد مردوداتها المدمرة والباعثة على التقيُّؤ عند كلِّ مسرحية هزلية من مسرحيات الانتخابات النيابية، وفي كل معركة من معارك الحرمات الجامعية؟!بل هل يبدو الحراك ما قبل الثوري للأردنيين مُجسِّدا عمليا لحالةٍ مجتمعية تهتم بهذا المشروع الثقافي باعتباره الفعلَ الأهمَ بالنسبة للحراك، وباعتبار أن دور الحراك يجب أن ينصبَّ بالدرجة الأولى والأهم نحو التأسيس له تمهيدا للثورة، أكثر بل وقبل أن يهتم بأيِّ شيء آخر؟!أم أن الثورة ما تزال بعيدة بسبب عدم تجسُّد الإرهاصات الحقيقية لمشروعها الثقافي، وأن الحراك ما قبل الثوري للأردنيين ما يزال يسير فوق "الصراط" الذي تضطرمُ أسفل منه نيران جهنم التي تسعِّرُها مُكَوِّنات الثقافة السائدة بذروة سنامها "العصبية"، المُفَرِّخَة لـ "البداوة السياسية"، تترقب سقوطه لابتلاعه، وهي تراه غيرَ مسلَّح ثقافيا بما يُمَكِّنُه من استكمال اجتياز الصراط كي يصل إلى الجنة في حاضنة الثقافة الجديدة؟!!دعونا نختبر ذلك بإلقاء نظرة سريعة على المُخرجات السياسية للثقافة السائدة، ألا وهي ثقافة "العصبية" و"البداوة"، القائمة على "الألفة" و"التسوُّل" و"القمع"، لنتأكد مما إذا كنا – بالفعل – قد حقَّقْنا النقلةَ الثقافية النوعية المطلوبة "طليعيا" للحديث عن فعل ثوري مرتقب وقريب وأصبح على الأبواب بتبني الطليعة الفاعلة والقادرة على إنجاز التغيير للثقافة المطلوبة، أم أننا في ضوء الأحداث المتسارعة على الساحة، وفي ضوء الخريطة السياسية للمتعاطين مع الفعل السياسي، ما نزال نحبو باتجاه لملمةِ أشلاء ثقافة الفكرة المتناثرة هنا وهناك، معانيةً من حماقة الكثيرين ممن يريدون مناجزةَ نظامٍ بثقافته التي استعبدتهم ذاتِها؟!ينقسم أصحاب المشاريع السياسية الأكثر انتشارا وهيمنة على الذهن الشعبي الفردي والجمعي في الأردن إلى..
* فئة تعمل على تخويف الأردنيين من "المطالبة بوحدة حقيقية للضفتين" باستخدام أسطورة "الوطن البديل".
* وفئة تعمل على تخويف الأردنيين من "الاقتتال والاحتراب" باستخدام أسطورة "الهاشميون هم صمام الأمان".* وفئة تعمل على تخويف الأردنيين من "الفوضى والانهيار" باستخدام أسطورة "ومَنْ هو البديل؟!".* وفئة تعمل على تخويف الأردنيين من "الدولة الدينية اللامدنية" باستخدام أسطورة "الإسلام السياسي".* وفئة تعمل على تخويف الأردنيين من "الدولة المدنية اللادينية" باستخدام أسطورة "الغزو الثقافي اليهودي الصليبي الماسوني".* وفئة تعمل على تخويف الأردنيين من "محاربة الفقر والطبقية" باستخدام أسطورة "شح الموارد المحلية".وكلُّ هؤلاء يعملون على خدمة فئة تعمل على تخويف الأردنيين من "الحرية" ومن "العدالة"، ألا وهي فئة "أبواق النظام". فيما كلًّ الأردنيين يريدون أن تسودهم "الحرية" وأن تتفشى بينهم "العدالة"، دون أن يقعوا في براثن "البَعابِع/جمع بُعْبُع" الستة السابقة التي يتمُّ تخويفهم منها. في حين أن "الحرية" و"العدالة" المستهدفتين، واللتين تمثلان طموحا حقيقيا لكل الأردنيين الخائفين المرعوبين من تلك "البعابع"، لن تتحققا في واقع حياة الأردنيين إلا بالتالي..* إذا عمل الأردنيون على استعادة "وحدة الضفتين" بتحريرهما على وجه الحقيقة، الأولى من "النظام الوظيفي" لإنجاز "التغيير" الدافع إلى "التحرير"، والثانية من "الاحتلال الصهيوني"، لإنجاز "التحرير" القائم على ذلك "التغيير"، وذلك على قاعدة أن هذه "الاستعادة" هي الطريقة الوحيدة الممكنة لإفشال أسطورة "الوطن البديل"، بتحرير الأردنيين من العيش في أكناف أسطوريتها المبتذلة.* وإذا انطلقوا من حقيقة أن "الهاشميين" في الأردن هم "أسُّ البلاء"، و"أساس الفساد"، و"حماة الوظيفية"، بل و"مؤسسوها ورعاتها"، منذ نشأة الإمارة قبل تسعين عاما، وليسوا بأيِّ حال "صمام أمان"، بل إن بقاءَهم على رأس هذه الدولة رعاةً لوظيفية نظامها، هو أكبر خطر يُهدِّدُ مستقبلَها.* وإذا أيقنوا أن البديل ليس شخصا يحلُّ محلَّ شخص، بل نظاما للحرية والعدالة، يحلُّ محلَّ نظام للظلم والاستبداد، لأن من يسأل عن شخص يحل محل آخر، هو في واقع الأمر يفكر بطريقة العبد الذي يريد سيدا أرحم من سيد، وليس بطريقة من يريد التحرر من كل السادة بالتحرر من نهج العبودية ذاته.* وإذا فهموا أن الإسلام السياسي شريكٌ في الوطن وليس دخيلا عليه، أيا كانت الخلافات معه، على الأقل في مرحلة التأسيس للثورة وإضعاف النظام. وأنه سيبقى كذلك حتى يحدِّدَ لنفسِه خيارات أخرى تجعله في الخندق الآخر.* وإذا أدركوا أن الدولة المدنية الديمقراطية اللادينية، ليست شرا مستطيرا، ولا نوعا من "الشيطنة"، بل هي مطلب كلِّ البشر، وألا تعارض بينها وبين الإسلام ذاته، والذي يراد للشعب الأردني أن يُخيَّرَ بينه وبين قبوله بتلك الدولة.* وإذا علموا أن الأردن غَنِيٌّ بموارده، وقادر على إثراء شعبه وانتشاله من براثن الفقر والجوع والعطش، وإعداده لدوره القومي التحرُّري النهضوي.إذن فعلى الأردنيين أن يرفضوا كلَّ تلك الأساطير، وأن يرفضوا كلَّ الفئات التي تخوِّفُهم بواسطتها من أشياء لا وجود لها على أرض الواقع، لأن تلك الفئات ستحرمهم من تحقيق الحرية والعدالة، وتُبْقي لهم أسَّ البلاء، وتؤجِّجُ بينهم الاقتتال والاحتراب، وتحرمهم من فرض النظام البديل الذي نصبو إليه، وتدفنهم في مغبَّة التبعيَّة الناتجة عن الفقر والجوع والعطش، وتبقيهم بعيدين عن القيام بدورهم المفترض في تحرير أرضهم ووحدة أمتهم.أي أننا معنيون في محصِّلَة القول بالتأسيس لثقافةٍ جديدة، تتجسَّد مُخرجاتها السياسية في التالي..نريد دولة أردنية "مدنية ديمقراطية لا دينية"، يقوم نظامها على "الحرية" و"العدالة"، نتخلَّص فيها من الهيمنة المطلقة لـ "الهاشميين" ومن يختبئ وراءَهم، على قاعدة أن كلَّ الأردنيين شركاءٌ حقيقيون في الوطن، الغني بموارده، والقادر على النهوض والنمو من براثن الفقر والاستبداد والتخلف والتبعية، لأداء دوره العروبي على أكمل وجه، والذي لن تكتمل حريته تلك، ولن يتجسَّدَ دوره العروبي ذاك، إلا بعودة ضفته الغربية المحتلة إلى سيادته حرةً مستقلةً"، بكلِّ ما لكلمتي حرية واستقلال من معاني وفضاءات.فهل تسود في أوساط فئة من الأردنيين يمكن اعتبارها مؤهلة لأن تكون طليعتهم "عددا" و"نوعا"، ثقافة تؤدي إلى المُخرَج السياسي سالف الذكر، كي نتحدث عن جاهزية الشعب الأردني للثورة المجتمعية الشاملة، على أسسٍ ثقافية مُؤَصِّلَة للثورة ولمشروعها السياسي في مُكَوِّناته الدستورية والاقتصادية والتشريعية، أم أن الطريق ما يزال طويلا قبل الوصول إلى هذه المرحلة؟!أيا كانت الإجابة على هذا السؤال، فلا مفر من استمرار العمل التوعوي والتثقيفي حتى يتم إنجاز هذه الطليعة الفاعلة التي ستحمل على عاتقها إنجاز الثورة ومشروعها السياسي. كما أنه لابد من عرض الإطار العام للبرنامج الثقافي كما سيتم تطبيقه في حال استلام حَمَلة هذا المشروع للسلطة السياسية في البلاد. وفي هذا السياق فإننا سوف نقوم بتحديد الغايات الثقافية المستهدَفَة من جهة، والأدوات الثقافية المستخدمة من جهة أخرى، في ضوء المُحَدِّدات والمفاهيم التي ثبتناها فيما مضى.

د – الغايات المستهدَفَة والأدوات المستخدمة
إن الغايات الثقافية المستهدفة، هي غاياتٌ كليَّة عامة تمثل عناوين رئيسة، وتندرج تحتها غاياتٍ جزئية تمثل عناوين فرعية. فالغايات الكلِّيّة التي تقوم عليها ثقافة هذا المشروع السياسي وما يندرج تحتها من غايات جزئية، هي على النحو التالي..1 – مواجهة ثقافة "العصبية" ومحاربتها بكلِّ الأشكال الممكنة والمتاحة "مجتمعية" كانت أو "دينية"، لصالح ثقافة "الفكرة" و"البرنامج". وتندرج تحتها الغايات الفرعية التالية التي يعتبر تجسيدها بمثابة تجسيد للغاية الرئيسة التي تتفرَّع عنها..* هدم الأسطورة التاريخية التي تنص على أن "الهاشميين هم صمام الأمان والمرجعية الأساس في الدولة الأردنية"، والتخلص من مردودها على الفكر والسلوك. وهذا يقتضي إعادة النظر في القراءة المزيَّفة للتاريخ الأردني، وهي القراءة التي قدَّمها النظام الوظيفي الهاشمي عبر كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية. وإعادة تقديمه إعلاميا وثقافيا وتربويا على نحوٍ يتناسب مع مضمون التحرُّر من وقع هذه الأسطورة التي دمرت البلاد ورهنتها على مدى تسعين عاما. وفي هذا السياق تعاد صياغة ومناقشة المسائل التالية..– تاريخ الهاشميين في الحجاز وتواطؤهم مع الاستعمار البريطاني في سياساته، وعدم انطباق أيٌّ من معاني الثورة على الانقلاب الهاشمي الذي قاده "حسين بن علي" ضد العثمانيين.– المقاومة التي واجهها الهاشميون في منطقة شرق الأردن واستخدامهم القوة لترويض المعارضين لمشروعهم المشبوه منذ قدومهم برفقة الإنجليز إلى المنطقة.– المؤتمرات والحركات والنشاطات الوطنية التي شهدها شرق الأردن خلال فترة التأسيس للإمارة ومعارضتها للهاشميين وعمق انتمائها القومي وبواكير وعيها بالمؤامرة التي جاء الهاشميون لتمريرها.– التأسيس العصبي القبلي لمنطقة شرق الأردن بالتعاون الكامل مع الاستعمار البريطاني، والممارسات الموغلة في هذا الاتجاه من قبل ملوك الهاشميين وخاصة "عبد الله الأول" و"الحسين بن طلال".– مؤامرات ملوك الأردن على القضية الفلسطينية، واستخدامهم الشعب الأردني ودولته لتمرير أجندات وظيفية على مدى تاريخ الدولة منذ تأسيس الإمارة وحتى الآن.– ارتباطات الهاشميين المشبوهة بأعداء الأمة، وتواصلهم المستمر معهم في خدمة العلاقات الإمبريالية الصهيونية في الإقليم العربي المشرقي عبر تاريخ حكمهم الطويل للبلاد.– الطبيعة الطبقية للتحالفات السلطوية في الأردن تحت رعاية الهاشميين، وحرص تلك التحالفات على تمرير كل ما من شأنه الحفاظ على مصالحها عبر تكريس وظيفية الدولة بوظيفية النطام الهاشمي الذي يقودها.* هدم الأسطورة السياسية التي ترتكز إلى تخويف الأردنيين من "الفوضى والانهيار وفقدان الهوية"، في حال محاولة الخروج على البناء العصبي القبلي العشائري للمجتمع وللدولة، باستخدام مقولة "أهمية وحتمية وضرورة البُنية العصبية للمجتمع الأردني"، ومقولة" عراقة وقداسة وقدم وأصالة الهويات القُطْرِيَّة، ومنها الهويتان الأردنية والفلسطينية". وفي هذا السياق تعاد صياغة ومناقشة المسائل التالية..– تحرير العمل العام سياسيا ونقابيا ومدنيا من تحكم قِيم البادية فيه، لتحريره من "البداوة السياسية"، واستقراء الكوارث التي ألمت بالشعب الأردني بسبب دمج تلك القيم التي يفترض ألا تخرج عن نطاق هيمنتها على بعض مظاهر الترابط المجتمعي، في مُكَوِّنات العمل السياسي.– تكريس ثقافة الفكرة والمصالح المنبثقة عنها كإطار موضوعي للعمل العام السياسي والنقابي والمدني بكل أشكاله، وتبيان ما يمكن لثقافة الفكرة أن تُكَرِّسَه في المجتمع من معايير الكفاءة في الاختيار والتصعيد الوظيفي، ومن معايير البرامجية في العملين السياسي والنقابي، خلافا لما تؤدي إليه ثقافة العصبية وما ينبثق عنها من "بَدْوَنَة" السياسة والعمل العام والتصعيد والتطور الوظيفيين.– الكشف عما أدت وتؤدي إليه ثقافة العصبية من اختلال في تشخيص العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، ومن احترابٍ بينهما في مجال الهوية والنضال، في تجاوزٍ صارخٍ للحقائق التاريخية التي تؤسِّسُ جميعها للوحدة الكاملة بين الشعبين في الإطار الوطني أولا، وفي الإطار السوري ثانيا، ثم في الإطار العروبي ثالثا.* هدم الأسطورة الأيديولوجية التي ترتكز إلى "التجاذب بين مدنية ولامدنية الدولة"، عبر التخويف من "الدولة الدينية اللامدنية" بالتخويف ابتداءً من فصائل "الإسلام السياسي" من جهة، وعبر التخويف من "الدولة المدنية اللادينية" عبر التخويف من "الغزو الثقافي اليهودي الصليبي الماسوني" من جهة أخرى. وفي هذا السياق تعاد صياغة ومناقشة المسائل التالية..– تحرير الذهن من الفهم الخاطئ للإسلام، وهو ذلك الفهم المنطوي على تسويق تناقضِ الإسلام مع مبادئ الدولة المدنية. والتأكيد من ثم – خلافا لذلك الفهم البدائي – على مشروعية الدولة المدنية التي تنطوي على الفصل التام بين صياغة شكل الدولة المتوافق عليه بين مختلف فئات الشعب وشرائحه، وبين أيِّ هيمنة للأديان أيا كانت على مُحَدِّدات الدولة وشكلِها الإطاري، وعلى رأس ذلك الدين الإسلامي.– ترسيخ قيمة التعددية والتشاركية، وما تقوم عليه من معاني التزام الأقلية بإرادة الأغلبية، وحرص الأغلبية على مصالح الأقلية وحقوقها، ومن معاني اعتماد لغة الحوار والمواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص كأساس لشكل التنافس السلمي بين المواطنين أفرادا أو تجمعات داخل الدولة.– ترسيخ حقيقة أن القيم الإنسانية العامة هي قيم دينية دعت إليها كافة الأديان السماوية، وبالتالي فهي قيم إسلامية من حيث المبدأ. وبناء عليه فيجب التحرُّر من كافة النزعات التكفيرية والإقصائية والانعزالية التي تتخذ من الأديان عامة ومن الدين الإسلامي خاصة، غطاء لها تختبئ وراء قداسته.– تكريس مبدأ أن كافة فصائل الإسلام السياسي تضم مواطنين شركاء في الوطن وليسوا بعيدين عن مقتضيات هذه الشراكة، مادام القاسم المشترك بين الجميع هو الشكل المدني للدولة التي لا يتم التنافس السياسي إلا ضمن حدودٍ برامجيةٍ يحكمها الإطار المدني الدستوري المتوافق عليه.– تكريس وترسيخ فكرة أن "الأصولية" ليس لها دين، لأنها تمثل الإطار الجامع لكل الإقصائيين في العالم أيا كانت مرجعياتهم الدينية والمذهبية والأيديولوجية. فقد يكون الأصولي إسلاميا، وقد يكون مسيحيا، وقد يكون يهوديا، وقد يكون شيوعيا، وقد يكون ليبيراليا، وقد يكون قوميا.. إلخ. فكل واحد من هؤلاء لا يقبل الآخر ويتحرك في دوائر تؤسِّس لتفرده وهيمنته وإبعاد غيره، هو أصولي أيا كان ما يحمله من معتقدات ورؤى وبرامج.– التأكيد على أن كافة الثقافات الإنسانية، ومنجزات كافة الحضارات البشرية، هي ملك للإنسانية عامة، يأخذ منها كل شعب وتأخذ منها كل أمة، وتتفاعل معها كل ثقافة بالقدر المُنتج للحالة الوطنية والمُطور لها، دون حساسيات أو توجُّسات، تجسيدا لقول الله في كتابه العزيز: "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وبالتالي فإن الانكفاء على الذات، وإغلاق الطريق أمام أشكال مُنْتِجَة من التفاعل مع ثقافات الآخرين، هي بوابات التخلف والانقراض والجدب الثقافي والحضاري. 2 – مواجهة ثقافة "الضَّعف" و"الهزيمة"، ومحاربتها بكلِّ الأساليب والأشكال الممكنة والمتاحة، لصالح ثقافة "القوة" و"المقاومة". وتندرج تحت هذه الغاية الرئيسة الغايات الفرعية التالية التي يعتبر تجسيدها بمثابة تجسيد للغاية الرئيسة التي تتفرَّع عنها..* هدم الأسطورة الاقتصادية التي ترتكز إلى ادعاء فقر الأردن بالموارد الطبيعية الموجبة للاستقلال في القرار السياسي. وذلك لتحرير المواطن الأردني من براثن القلق والتردد التي حاصره بها النظام عندما جعله يتموضع داخل دائرة التنازل عن قراره السياسي المستقل، لتأمين الحد الأدنى من متطلبات معيشته في دولة أقنعه النظام بأنها تفتقر إلى كلِّ مقومات الاعتماد على الذات في تأمين الماء والغذاء والموارد الضرورية لتأمين الصناعات الضرورية. وفي هذا السياق تعاد صياغة ومناقشة المسائل التالية..– ترسيخ حقيقة أن الأردن غني بموارده الطبيعية التي تؤهل الشعب الأردني لأن ينجزَ دولةً تتمتع بدرجات عالية من الاكتفاء، في معظم احتياجاته الأساسية، على نحوٍ يُمَكِّنُه من الاطمئنان إلى أن قراره السياسي وإرادته في المقاومة لا يمكنهما أن يُرْتَهَنا لأيٍّ كان.– ترسيخ حقيقة أن النظام الوظيفي فضلا عن أنه زوَّر الوعي الجمعي للأردنيين بكذبة الافتقار إلى الإمكانات والموارد، فإنه شكَّلَ الدولة باستمرار بطريقة تتيح له الولوغ في ثروة الشعب الأردني المتاحة، عبر تأسيسه لأبشع أنواع وثقافات الفساد والإفساد التي جعلت الباب مفتوحا أمام نهب المال العام، وتحميل الطبقات والشرائح الفقيرة والمُعْدَمَة والمتوسطة من الشعب الأردني على الدوام، تبعة كلِّ الاختلالات الاقتصادية الناتجة عن السياسة الوظيفية الطبقية للنظام.– ترسيخ حقيقة أن الواقع الراهن للأردن، وعلى أيِّ صعيد من الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية، ليس قدرا بل هو خيارٌ وظيفي لنظامٍ وظيفي، وأن الأردن بإمكاناته الحقيقية، ومن نقطة الكارثة الراهنة التي أوصله إليها النظام يمكنه أن يغيِّرَ خياراته، وأن ينطلق وأن يعيد إنتاجَ الدولة، وأن يعيدَ صياغتها وتشكيلها وتأهيلَها على نحوٍ يحرِّرُها من تبعات السياسات الاقتصادية الرعناء التي ورطها فيها النظام الوظيفي، وأن هذا لا يتطلب سوى الانطلاق من رفض كلِّ القواعد التي يقيم عليها النظام سياساتِه، ووضع قواعد جديدة تجعل من تحقيق الغايات والأهداف أساساتٍ تتحدد الحلول والقواعد والأيديولوجيات في ضوئها وليس العكس.– ترسيخ ثقافة الانتماء إلى الحالة العامة وإلى الشعب وإلى الوطن على حساب "الأنا"، وليس العكس. وهذا يتطلب العمل على بناء ذهن المواطن الأردني لتحكمه قيمة "المسؤولية" على أنقاض حالة "اللامبالاة" التي أنتجه النظام على أساسها على مدى عقود من الزمن، وقيمة "الجماعية" على أنقاض المغالاة في "الفردية"، وقيمتا "العمل التطوعي" و"العمل العام"، على أنقاض "الانزواء مع النفس" و"الانكفاء على الذات"، وقيمة "الاعتزاز" على أنقاض قيمة "الذل" التي زرعها فيه النظام خوفا من الشرطي والمخبر والدركي ورجل الدولة، ليدرك أن هؤلاء جميعا ما وُجدوا إلا لخدمته ورعايته وحفظ مصالحه، وهم في النهاية خدم عنده عليهم الالتزام بكل ما يحفظ كرامته ويجسِّد مصالحه.– ترسيخ ثقافة الوفر والادخار الدافعة إلى الإنتاج، ومحاربة ثقافة الاستهلاك المؤدية إلى الهدر والتبديد.* هدم أسطورة عدم جدوى مقاومة العلاقات الصهيونية الإمبريالية في المنطقة، عبر ترويج النظام ومؤسساته وأبواقه لحالة الضعف المزمن والقصور الدائم والعجز الأبدي أمام قوة الأعداء التي لا تقهر. وذلك بأن يُصار إلى نشر ثقافة المقاومة المَبْنِيَّة على أسس علمية وموضوعية، تعترف بحالة الضعف عندما يكون قائما، ولا تنكر الهزيمة عندما تحصل، لكنها تؤسِّس لحالة استنهاض عوامل القوة الكامنة في الأمة وفي مُكَونات الدولة أرضا وشعبا، تكريسا لنهج المقاومة الممكنة بل والمُحَتَّمة لاسترجاع الحقوق. وفي هذا السياق تعاد صياغة ومناقشة المسائل التالية..– تكريس حقيقة أن قوة الدولة تقوم بالدرجة الأولى على عناصر ذاتية، وعلى تقليص الاعتماد على القوى الخارجية والارتباط بها، خاصة إذا كانت قوى معادية.– إعادة توضيح منظومات الأعداء والأصدقاء بالقياس للتشخيص الصحيح والدقيق لقضايانا، بعيدا عن أسلوب النظام في التشخيص، والذي هو أسلوبٌ زوَّرَ من خلاله الوعي الجمعي والفردي، واضعا الأصدقاء في خنادق الأعداء، والأعداء في خنادق الأصدقاء، وفاء لوظيفيته التي كان عليها فقط أن تخدمَ العلاقات الإمبريالية الصهيونية في الإقليم.– إعادة إنتاج فكر المقاومة لأجل إنجاز مشروع التحرير على قواعد غير تلك التي جعلها النظام مستحيلة، من خلال طريقته في تشخيص العدو، وفي تحليل إمكاناته، وفي عرض المتاح من أنماط مواجهته، كي يوصل الشعب إلى تصور استحالة المقاومة. والعودة في هذا الصدد إلى إعداد الذهن الفردي والجمعي ليتقمَّصَ متطلبات المقاومة الشعبية كوسيلة للتفوق على ما ليس لدينا مما هو لدى العدو من إمكانات عسكرية، على قاعدة أن الحرب الشعبية تنتصر في النهاية على أعتى الترسانات العسكرية إذا تم الالتزام بمتطلباتها.– ترسيخ ثقافة مجتمع الحرب والمقاومة، ودولة الحرب والمقاومة، اقتصادا وإعلاما وعمرانا، كي يصارَ إلى إعادة إنتاج الوعي بشكلٍ يتفهم ويتقبل، بل ويناضل من أجل أن يكون الوطن الأردني وطنا هذه هي مُحددات تشكيله الاقتصادي والمجتمعي.
أما الأدوات التي ستُسْتَخدم لتغيير المُكَوِّنات الثقافية السلبية السائدة، عملا على تكريس وترسيخ المُكَوِّنات الثقافية الإيجابية التي ينطوي عليها هذا المشروع السياسي كما شرحناها أعلاه، فهي التالية.. "الفيلم السينمائي"، و"المسرحية"، و"المسلسل التلفزيوني"، و"الفيلم التسجيلي"، و"فيلم الكرتون"، و"البرنامج التلفزيوني"، و"الأغنية الفردية"، و"الأغنية الجماعية"، و"الأغنية الاستعراضية"، و"الأوبرا"، و"القصيدة الشعرية"، و"القصة القصيرة"، و"الرواية"، و"المحاضرة"، و"الندوة الحوارية"، و"الدورة التدريبية"، و"ورشة العمل"، و"فعالية التواصل الميداني"، وكل ما يمكن للذهن الإبداعي أن يتفتق عنه من أدواتٍ ووسائل ولغة ثقافية. وهذا يقتضي أن يتمَّ استخدام كافة هذه الأدوات بحسب ما تتيحه ظروف استخدامِها وشروطه، وبحسب الإمكانات المتاحة ماليا وإداريا، لأجل نشر كافة الغايات الثقافية التي أوضحناها، باعتبارها مُكَوِّنات لابد منها للتأسيس لهذا المشروع السياسي.