تغيير الأنظمة الوطنية .. مصلحة أمريكية وإسرائيلية

د.غازي حسين

تعتبر منظمة ايباك، المنظمة الأمريكيةالإسرائيلية للعلاقات العامة في الولايات المتحدة، من أقوى مجموعات الضغط تأثيراًعلى أعضاء الكونغرس الأمريكي، ما جعل رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أقوىنفوذاً من الرؤساء الأمريكيين في الكونغرس، ولدرجة أصبح معها نتنياهو أقوى منالرئيس أوباما في الكونغرس، بل وأقوى من نتنياهو نفسه داخل الكنيست الإسرائيلي.
وتعتبر منظمة أبناء العهد «بناي بريت» من أقوى المنظمات اليهودية تأثيراً بعدايباك، إذ تقوم «رابطة مكافحة التشهير» التابعة لها بممارسة الضغط والابتزازالسياسي على كل من ينتقد ممارسات إسرائيل الاستعمارية والإرهابية والعنصرية، وترفعفي وجهه تهمة اللاسامية، وإنكار الهولوكوست (المحرقة).
وتدير المنظمتان العديدمن مراكز البحوث والدراسات اليهودية، وترتبط هذه المراكز والشخصيات العاملة فيهابالموساد والحكومة الإسرائيلية، وتسخران التقارير والمعلومات المفبركة والموجهةللتأثير على مواقف الحزبين الرئيسيين، وأعضاء الكونغرس، والرئيس الأمريكي نفسه،وبالتالي تقومان بالتأثير على صناع القرارات الاستراتيجية السياسية والعسكرية فيالولايات المتحدة.
ويعد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى من أبرز هذه المراكز،والذي أسسه الصهيوني مارتن انديك، ويديره اليهودي دنيس روس الذي ترأس عملية السلامباسم الولايات المتحدة، وبشكل خاص مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكان انديكقد قدم دراسة بعنوان: «أمريكا والشرق الأوسط في قرن جديد» للرئيس بوش الابن، وتمثلوجهة النظر الصهيونية لمستقبل الشرق الأوسط، وتضمنت التصورات الإسرائيلية لمستقبلالوطن العربي.
تحركت مراكز البحوث اليهودية في الولايات المتحدة والكيانالصهيوني والموساد بعد القمة العربية في بغداد عام 1979 التي قررت مقاطعة نظام كامبديفيد في القاهرة لإقناع الرؤساء الأمريكيين والبنتاغون والمخابرات المركزية بوجوبإسقاط النظام في العراق بسبب مواقفه القومية ودعمه للمقاومة الفلسطينية والجبهةالشرقية وعروبة فلسطين.
إن الولايات المتحدة والصهيونية العالمية تعملان لفرضهيمنتهما على الوطن العربي، والقضاء نهائياً على الوحدة العربية، وتصفية قضيةفلسطين، والأنظمة العربية الوطنية، ودور العرب في العصر الحديث، فكان أن أصبحت قضيةالدولة القومية في العراق وجيشها القوي، ومخزون النفط الهائل فيه، تمثل جوهرالاستراتيجيتين الأمريكية والإسرائيلية للهيمنة على المنطقة وإقامة نظام الشرقالأوسط الجديد.
وبلور اليهودي ديفيد ويرمسير من معهد الدراسات الاستراتيجيةوالسياسية المتقدمة ذلك بقوله: «إن من يسيطر على العراق يتحكم استراتيجياً بالهلالالخصيب، وبالتالي بالجزيرة العربية (1)، وأكد ولفوفيتس وجوب تغيير النظام العربيبعد قمة بغداد مباشرة، وأصبح تغيير النظام العراقي مصلحة أمريكية وإسرائيلية، وأقنعيهود الإدارة الأمريكية وإسرائيل إدارة الرئيس بوش الابن بوجوب شن حرب على العراقلتدمير جيشه وتغيير نظامه والسيطرة على نفطه وإعادة إعماره، وكشف ديك تشيني، نائبالرئيس بوش خلال زيارته لبعض بلدان المنطقة في آذار 2002 عن مصلحة إسرائيل في الحربعلى العراق قائلاً: «إن الهجوم الأمريكي على العراق هو أولاً وأخيراً من أجلإسرائيل (2)، وتحدث الليكودي ريتشارد بيرل رئيس مجلس سياسة الدفاع في وزارة الحربالأمريكية أمام معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا في عام 2001 قائلاً: «إنالنظام العراقي حاول اغتيال الرئيس بوش الأب عام 1993 في الكويت، وهناك تصوراستراتيجي لإيجاد تحالف على شكل حلف الناتو يتألف من النظام العراقي الجديد وتركياوإسرائيل وبعض الدول العربية التي تعتقد إسرائيل أنها تسير في ركابها مستقبلاً» (3).
واقترح شيمون بيريز عندما تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد اغتيالرابين عام 1995 على الأمريكيين تشكيل حلف ناتو للشرق الأوسط يضم إسرائيل وتركياوبغداد بعد إسقاط النظام العراقي وبعض الدول العربية الصغيرة (4).
تبنىالمحافظون الجدد وإدارة الرئيس بوش التصور الاستراتيجي الصهيوني لمستقبل الوطنالعربي، ولرسم خريطة جديدة للمنطقة لإعطاء إسرائيل الدور القائد والمهيمن عليها،وللقضاء على النظام العربي، وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية بدلاً من إسرائيلالكبرى الجغرافية.
وركز تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمةعلى عزل سورية ومحاصرتها بين إسرائيل من جهة، وبين نظام عراقي حليف للولاياتالمتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
وتضمن التقرير المذكور إحياء التكتلاتوالتحالفات القبلية والعشائرية والطائفية لتستطيع إسرائيل الهيمنة على المنطقة،وانطلق التقرير الذي تبنته إدارة الرئيس بوش من الاستراتيجية الصهيونية، وأكد علىأنه بعد إسقاط النظام العراقي سيجري حصار سورية وعزلها، وحصار إيران من الشرقوالغرب لإسقاط النظام الإسلامي فيها.
وأكد مارتن انديك في مقابلة مع جيروزاليمريبورت في آذار 2002 أن «الولايات المتحدة ستشن هجوماً عسكرياً على العراق، وسوفتتخذ إجراءات أشد صرامة بحق إيران، وستواجه إيران أسوأ كابوس تحلم به، مع نظام ذيتوجه غربي موال لأمريكا على حدودها الشرقية في أفغانستان، ونظام موال لأمريكا معقوات أمريكية على الحدود الغربية ببغداد» (5).
إن قادة الكيان الصهيوني همالذين حرضوا على إشعال الرئيس الأمريكي بوش الحرب العالمية على الإسلام، واختلقواالخطر الإسلامي المزعوم على أمريكا وأوروبا لتهويد القدس بشطريها المحتلين، وحملالدول الأوروبية وبعض دول من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم الرئيسالمخلوع حسني مبارك لتهويد فلسطين العربية، والهيمنة على الوطن العربي.
ويعتقدالعديد من المحللين السياسيين بأن دوائر عليا أمريكية وصهيونية كانت وراء تفجيرات 11 أيلول في نيويورك، وحققوا أرباحاً خيالية، وكانت إسرائيل ولا تزال أكبرالمستفيدين منها.
ونجح يهود الولايات المتحدة بوضع المقاومة الفلسطينيةواللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي على قائمة الإرهاب، وأقنعوا إدارة بوش بأن إسقاطالعراق، وصناعة نظام عراقي متحالف مع أمريكا وإسرائيل، والتحكم بالنفط العراقيوبأسعاره وكمياته، يحقق الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة على الشرقالأوسط الكبير، وبالتالي هيمنتها على العالم.
إن تبني الولايات المتحدةللاستراتيجية الصهيونية المعادية لشعوب المنطقة، لا يخدم مصالح الولايات المتحدةالمستقبلية، لا في المدى المتوسط ولا البعيد، بل زاد ويزيد من الرفض والبغضاءوالكراهية لها، فانتشر العداء للسياسات الأمريكية بشكل منقطع النظير في المنطقةوبقية أنحاء العالم، وفقدت الولايات المتحدة صدقيتها ومصداقيتها بسبب تبنيهاللأطماع والأكاذيب التي تروجها اللوبيات اليهودية من خلال مراكز الدراسات والبحوثوالموساد ورؤساء الحكومات الإسرائيلية، وقادت إلى توتر العلاقات العربية - الأمريكية، وإلى المواجهة مع بعض الحكومات الوطنية في الوطن العربي والمنطقة، وبشكلخاص مع الرأي العام والنخب في بلدان المنطقة.
إن محاربة الولايات المتحدةللعروبة والإسلام تجسيد لتبنيها للاستراتيجية الصهيونية، وتحالف اللوبيات اليهوديةمع المحافظين الجدد، ومع التحالف المسيحي (الانجيلي)، ودفع تبني إدارة الرئيس بوشالابن للاستراتيجية الصهيونية بالمفكر الأمريكي جون اكنبيري إلى القول: «إن سياسةبوش لا تهدد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فقط، بل ستزيد أيضاً منالعداوة لها في العالم، وتؤدي إلى عزلتها دولياً» (6).
وأشار العديد منالمفكرين الأمريكيين إلى أن سياسة شارون ونتنياهو تهدد مستقبل إسرائيل ووجودها،وكان الرئيس نيكسون قد قال لبات يوكنان: «إن نهاية إسرائيل ستكون مثل الامبراطوريةالرومانية صعوداً ثم هبوطاً إلى الهاوية» (7).
وتوقع اليهودي رون ينز في مجلةكومنتري اليهودية نهاية إسرائيل، كما انتهت الممالك الصليبية في فلسطين وبقية بلادالشام.
إن الاستراتيجية الصهيونية للمحافظين الجدد وإدارة الرئيس بوش قادتالولايات المتحدة إلى المواجهة مع البلدان العربية والإسلامية وشعوب العالم ، وجسدمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه بيريز، ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحهبوش جوهر الاستراتيجيتين الأمريكية والصهيونية لفرض الوصاية الامبريالية والصهيونيةعلى المنطقة، والهيمنة عليها، واستغلال ثرواتها النفطية، ونشر الفوضى الخلاقة فيها،وعرقلة التحرر والوحدة والتنمية والتطور، ولتصبح إسرائيل العظمى المركز والقائدللنظام الإقليمي الجديد.
لقد فشلت الحروب الأمريكية والإسرائيلية لكسر إرادةالشعب والأمة ، وفشلت واشنطن وتل أبيب في إعادة صياغة عقل وروح وفكر الإنسان العربيوالمسلم بالقضاء على الثقافة العربية والإسلامية، وأمركة المنطقةوصهينتها.
وازدادت كراهية شعوب المنطقة وشعوب العالم أجمع لأمريكا وإسرائيل، فهلتتعظ إدارة أوباما من الحروب والويلات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التيسببتها الإدارات الأمريكية السابقة؟.
لقد جاءت زيارة السفير الأمريكي إلى حماةفي سياق الدور التخريبي الذي تلعبه الولايات المتحدة في الوطن العربي، وتدخلاًوقحاً في الشؤون الداخلية لسورية، ولتزيد من التوتر وعدم الاستقرار، وبالتالي أخذأوباما يسير على خطا استراتيجية مجرم الحرب بوش في تغيير الأنظمة الوطنية والقوميةالتي تدافع عن حقوق ومصالح شعبها وأمتها العربية.
المصادر
1- مجلة السياسة الدولية،العدد 150، تشرين الثاني 2002، ص 64.
2- المصدر السابق نفسه.
3- المصدرالسابق نفسه.
4- المصدر السابق نفسه.
5- جيروزاليم ريبورت في آذار 2002.
6- مجلة السياسة الدولية، العدد 150، تشرين الثاني 2002، ص 67.
7- ناشيونالريفيو في 31/1/2002.
د. غازي حسين