منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 5 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 41
  1. #1

    صورة الآخر .. العربي ناظرا ومنظورا إليه

    صورة الآخر .. العربي ناظرا ومنظورا إليه



    في كثير من الأحيان، يتطير البعض عندما يتم ذكر (الآخر) كمؤثر على سلوك المتكلم أو المحلل، فردا أو جماعة أو مذهبا، فيتصدى البعض لمسألة استخدام الآخر في الحديث أو الكتابة، باعتبار أن هذا المصطلح مستورد من الأجنبي، ويحشر في ثقافتنا حشرا غير مبررا .. وقد لاحظت ذلك في كثير من مداخلات البعض، عندما يرد مصطلح الآخر في مقالة أو تحليل لمسألة ما ..

    في الفترة بين 29و 31/3/1993 عقدت الجمعية العربية لعلم الاجتماع ندوة حول (صورة الآخر) في مدينة الحمامات في تونس، كانت من دون شك أول لقاء علمي متخصص في البلدان العربية يتناول هذا الموضوع ويتداول اشتقاق (الآخرية) عوضا عن (الغيرية) .. وقد اشترك بهذه الندوة علماء عرب وأجانب، تناول الجميع فيها مجالات شتى .. وبعد أكثر من ثلاث سنوات وبالتحديد بين 15 و 17/11/1996 تم عقد ندوة للمختصين العرب (فقط) للإجابة عن تساؤل كيف يرى العرب الآخرين؟

    وقد قام الدكتور لبيب طاهر (رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع) بتجميع بحوث ومساهمات العلماء العرب والأجانب في الندوتين وحررها في كتاب يقع في 956 صفحة من القطع المتوسط وصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع الجمعية العربية لعلم الاجتماع وقد بوبه في ستة أقسام :


    القسم الأول: في مسألة الآخرية


    الفصل الأول: الآخر بما هو اختراع تاريخي .. قدمه : جان فارو ـ باحث فرنسي

    الفصل الثاني: مفهوم ومواريث (العدو) في ضوء عملية التوحيد والسياسات الأوروبية .. قدمه: فيلهو هارلي من دائرة العلوم السياسية ـ جامعة جيفسكيلا ـ فنلندا .

    الفصل الثالث: الاستشراق والاستغراب : اختراع الآخر في الخطاب الأنثروبولوجي .. قدمه: منذر الكيلاني : أستاذ في جامعة لوزان ـ سويسرا

    الفصل الرابع: العنصرية: منطق الإقصاء العام .. قدمه: جاك ماهو : باحث بالمركز الوطني للبحث العلمي CNRC باريس .

    الفصل الخامس: الآخر أو الجانب الملعون قدمته: أسماء العريف بياتريكس : باحثة تونسية ـ باريس

    الفصل السادس: الآخر : المفارقة الضرورية .. قدمته : دلال البزري .. أستاذة في الجامعة اللبنانية ـ صيدا

    الفصل السابع: صورة الآخر المختلف فكريا: سوسيولوجيا الاختلاف والتعصب .. قدمه : حيدر ابراهيم علي : مدير مركز الدراسات السودانية في القاهرة وأمين عام الجمعية العربية لعلم الاجتماع ..

    الفصل الثامن: صورة الآخر في العلاقة: مواطن/أجنبي .. ملاحظات أولية .. قدمه: بيار باولو دوناتي : أستاذ في جامعة بولونيا ـ إيطاليا

    الفصل التاسع: ما بعد الأحكام المسبقة .. قدمه: روبارتو سيبرياني و ماريا مانسي .. أستاذان في جامعة روما ..

    الفصل العاشر: صورة الآخرين كخلفية لتصور الذات في المجتمع الروسي .. قدمته: آنا أندرينكوفا : أستاذة في معهد البحوث المقارنة ـ موسكو

    الفصل الحادي عشر: الإنسان والزمن ـ الآخر .. الزمن بين أسياده وعبيده .. قدمه: جيندريخ فيليباك .. أستاذ في جامعة براغ ـ تشيكيا

    الفصل الثاني عشر: أصل الشغف بالآخر لدى حركات الأنتلجنسيا الطلائعية في أوروبا.. قدمه: جوزي أنطونيو غونزاليس آلكنتود.. مدير مركز البحوث الإثنولوجية في جامعة غرناطة ـ إسبانيا ..


    القسم الثاني: ما وراء الحدود: نظرة العرب الى الآخر ..


    الفصل الثالث عشر: الآخر في الثقافة العربية .. قدمه الطاهر لبيب (المحرر للكتاب)

    الفصل الرابع عشر: صورة الإفريقي لدى المثقف العربي: محاولة تخطيطية لدراسة (ثنائية قبول/استبعاد) .. قدمه: حلمي شعراوي .. مركز البحوث العربية ـ القاهرة .

    الفصل الخامس عشر: جدل الأنا والآخر: دراسة في تخليص الإبريز للطهطاوي .. قدمه: حسن حنفي : أستاذ ورئيس قسم الفلسفة ـ جامعة القاهرة.

    الفصل السادس عشر: صورة الآخر من خلال تقارير الرحلات السفارية المغربية الى أوروبا.. قدمه: عبد السلام حيمر ..أستاذ في جامعة مكناس/ المغرب

    الفصل السابع عشر: أثر الصورة الذاتية في الموقف العربي من دولة إسرائيل .. قدمه: مهنا يوسف حداد..أستاذ في جامعة اليرموك/الأردن

    الفصل الثامن عشر: صورة الإسرائيلي لدى المصري بين ثقافة العامة والدراما التلفزيونية.. قدمه: عبد الباسط عبد المعطي.. رئيس قسم علم الاجتماع بكلية البنات /جامعة عين شمس ـ القاهرة

    الفصل التاسع عشر: الذات العربية المتضخمة: إدراك الذات المركز والآخر الجواني .. قدمه: سالم ساري أستاذ في جامعة فيلادلفيا/ الأردن

    الفصل العشرون: تونس والعالم: موقف الشباب التونسي من البلدان الأخرى.. قدمه: ميخائيل سليمان .. أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية كنساس

    الفصل الحادي والعشرون: البعد الجغرافي وصورة الآخر: مقاربة أمبيرقية .. قدمه: مصطفى عمر التير .. أستاذ في جامعة الفاتح ـ طرابلس ـ ليبيا


    القسم الثالث: ما وراء الحدود: نظرة الآخر الى العرب..


    الفصل الثاني والعشرون: العلوم الاجتماعية والاستشراق : صورة المجتمع العربي الإسلامي.. قدمه: محمد نجيب بوطالب أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس

    الفصل الثالث والعشرون: الفلاحون المغاربة في الإثنولوجيا الكولونيالية: بين الجمود وقابلية التحسن .. قدمه عبد الجليل حليم.. أستاذ بجامعة مكناس/المغرب

    الفصل الرابع عشر: صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية.. قدمته: مارلين نصر.. باحثة من لبنان

    الفصل الخامس والعشرون: اليهود والعرب: صورة الآخر وآثار المرآة .. تقديم: ريجين عزرية : باحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي CNRC باريس .

    الفصل السادس والعشرون: الكنيسة الكاثوليكية والإسلام .. تقديم: آنزو باتشي .. أستاذ في جامعة بادوفا ـ إيطاليا

    الفصل السابع والعشرون: المغرب العربي في رؤية بلدان الشمال.. تقديم: تيومو ميلازيو .. باحث في معهد العلوم حول السلم ـ فنلندا

    الفصل الثامن والعشرون: في معضلة الباحث ووضع البحث في العلوم الاجتماعية حول العالم العربي في الجامعة الفرنسية.. تقديم: اليزابيث لونغنس .. باحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي CNRC باريس .

    الفصل التاسع والعشرون: صورة الآخرين: المخاوف الحقيقية والكاذبة في العلاقات العربية ـ الأوروبية .. تقديم: سيغوردن سكيرباك .. أستاذ في جامعة أوسلو النرويج

    الفصل الثلاثون: ماضي الأقليات العربية والمسلمة في بولونيا: المرآة والوعي الذاتي .. تقديم: توماس مارسينياك .. أستاذ في أكاديمية العلوم ـ بولندا

    الفصل الحادي والثلاثون: صورة الآخر: حالة المجر .. تقديم: ميكلوس هاداس .. أستاذ في جامعة بودابست للعلوم الاقتصادية ـ المجر

    الفصل الثاني والثلاثون: صور الإسلام في اليابان: الماضي والحاضر.. تقديم: أيري طامورا .. أستاذ بالجامعة الدولية ـ طوكيو

    يتبع

  2. #2
    القسم الرابع: ما بين الحدود: المهاجر العربي

    الفصل الثالث والثلاثون: الآخر في فرنسا المعاصرة: العربي كبش الفداء .. تقديم: روبار شارفان .. أستاذ في جامعة نيس ـ فرنسا

    الفصل الرابع والثلاثون: صورة الآخر في النزاع العرقي.. تقديم: فيكتوريو كوتاستا ..أستاذ في جامعة سالارنو ـ إيطاليا

    الفصل الخامس والثلاثون: معاينة أزمة معلنة: صورة الذات وصورة الآخر أثناء حرب الخليج .. تقديم: آني بينفينيست .. أستاذة في جامعة باريس ..

    الفصل السادس والثلاثون: وجهات نظر المغاربة والأفارقة في فرنسا، بالفرنسيين .. تقديم: ماري ـ جوزيف باريزاي .. باحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي CNRC باريس .

    الفصل السابع والثلاثون: التفاعلات الاجتماعية بين الإيطاليين والمغاربة في ميلانو .. تقديم: وكلوديو بوسي .. أستاذة في جامعة ميلانو ـ إيطاليا

    القسم الخامس: داخل الحدود: الاختلاف والتراتب

    الفصل الثامن والثلاثون: الآخرية والتراتب .. تقديم: علي الكنز .. أستاذ في جامعة نانت ـ فرنسا

    الفصل التاسع والثلاثون: الذات الممزقة بين الأنا والآخر .. تقديم: عروس الزبير .. أستاذ في جامعة الجزائر

    الفصل الأربعون: صور الآخرين في لحظات الحرب اللبنانية: معاينات مونوغرافية .. تقديم: أحمد بعلبكي .. أستاذ في الجامعة اللبنانية ـ بيروت

    الفصل الحادي والأربعون: الرفض المتبادل بين الطوائف اللبنانية: صورة الأنا والآخر في الحرب الأهلية (1975ـ 1990) .. تقديم: مسعود ضاهر .. أستاذ في الجامعة اللبنانية ـ بيروت

    الفصل الثاني والأربعون: الآخر العربي والآخر الفلسطيني في نظر الفلسطينيين في إسرائيل .. تقديم: عزيز حيدر .. أستاذ بجامعة بير زيت ـ فلسطين

    الفصل الثالث والأربعون: الفلسطيني والعربي والإسرائيلي في نظر الطلبة الجامعيين في فلسطين .. تقديم: محمود ميعاري .. أستاذ بجامعة بير زيت ـ فلسطين

    الفصل الرابع والأربعون: "العوام" و"الأفندي" في مصر: دراسة في آليات الشك المتبادل.. تقديم: علي فهمي.. باحث مصري

    الفصل الخامس والأربعون: المرأة ك "آخر" : دراسة في هيمنة التنميط الجنساني على مكانة المرأة في المجتمع الأردني .. تقديم: حلمي خضر ساري .. أستاذ في قسم الاجتماع ـ الجامعة الأردنية

    الفصل السادس والأربعون: الرجل ـ المرأة: انعكاس أم انكسار؟ صورة الرجل من خلال أقوال المرأة وفانتزماتها .. تقديم: ماري ـ تيراز خيري بدوي .. أستاذة في جامعة القديس يوسف ـ بيروت

    القسم السادس : عبر الحدود : آخر الأدب والفن

    الفصل السابع والأربعون: صورة (الأخرى) في الرواية العربية: من نقد الآخر الى نقد الذات .. في أصوات سليمان فياض.. تقديم: جورج طرابيشي .. كاتب ومفكر عربي ..

    الفصل الثامن والأربعون: صورة الذات وصورة الآخر في الخطاب الروائي العربي: تحليل سوسيولوجي لرواية (محاولة للخروج) .. تقديم: فتحي أبو العينين ..أستاذ في جامعة عين شمس ـ القاهرة

    الفصل التاسع والأربعون: الطريق الى الآخر يمر بالذات: نموذج من أعمال يوسف إدريس.. تقديم: محمد حافظ دياب .. أستاذ بجامعة بنها ـ مصر

    الفصل الخمسون: رؤية مصرية لصورة اليهودي في أدب إحسان عبد القدوس .. تقديم: رشاد عبد الله الشامي ..أستاذ في جامعة عين شمس ـ القاهرة

    الفصل الحادي والخمسون: صورة الآخر في رواية المهدي لكونيل .. تقديم: أبو بكر أحمد باقادر .. أستاذ في جامعة الملك عبد العزيز ـ جدة

    الفصل الثاني والخمسين: الأصوات الغربية إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: حالة الأدب الشعبي .. تقديم: توان فان تيفلين .. أستاذة بجامعة أمستردام

    الفصل الثالث والخمسون (الأخير): التعامل مع الماضي وخلق الحضور: صور فلسطين البريدية .. تقديم: أنليس موريس .. أستاذة بجامعة أمستردام ـ هولندا و استيفن فاشلين (مؤرخ ومصور هولندي) ..

    ملاحظة:

    نعلم أن هذا الكتاب الذي استغرق جمعه وتحريره بشكله المطروح في الأسواق أكثر من سبع سنين، أنه من الصعوبة بمكان تطويعه ليصبح بمتناول المثقفين الذين لا يتعاملون مع كتب بهذا الحجم .. ونعلم أن كل فصل منه يصلح أن يكون موضوعا ذو حلقات .. ونعلم أن اختصار الكتاب بمواده الدسمة والكثيرة المتنوعة سيفقده كثيرا من دقة معلوماته .. ولكن المساهمة في تقديمه أو تقديم بعض مواده بالطريقة التي يمكن احتمالها في الشبكة العنكبوتية لن يخلو من فائدة .. سائلا الله أن يبقي الرغبة في إنجاز هذا العمل موجودة .. وحبذا لو ساعدني من يملك نسخة من هذا الكتاب في تحقيق تقديمه بالصورة التي توسع من دائرة المطلعين عليه ..

  3. #3
    القسم الأول: في مسألة الآخرية

    الفصل الأول: الآخر بما هو اختراع تاريخي ..

    قدمه : جان فارو ـ باحث فرنسي


    يبدأ الكاتب مشاركته بتساؤل شرطي عن الآخر، فيشترط حتى يكون هناك آخر وجوب أن يكون (أنا) .. فهي أي (الأنا) هي من ترسم حدود الآخر وتضع مواصفات شكله .. ويتوقع الكاتب في بداية مشاركته أن الإحساس بوجود الآخر بدأ عند الشعوب الأوروبية أو (الهندية الآرية) قبل الميلاد بألف سنة، لكنه لا يتشبث بهذا التوقع الى نهاية المشاركة (وبالمناسبة فإن توقعه صائب حيث أن شعوب بلاد العراق ووادي النيل قد عرفت تلك المسألة قبل الأوروبيين والهندود بحوالي ألفي عام) ليعود ويجعل نشأة هذا الإحساس متزامنة في كل من شعوب جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط مع الإغريق .. وهي نقطة يتمحور عليها التفكير الغربي باعتبار أن الحضارة الأوروبية لها دور مركزي قيادي على صعيد العالم ولم يكن لأي حضارة فضل عليها!

    لقد ميز الكاتب بين الآخر ل (الأنا) والآخر ل (النحن)، فالآخر للأنا قد يكون أخا أو جارا أو صديقا في عينة من الوقت لكن الآخر ل (النحن) هو من يكون لقبيلته أو شعبه جد وإله مختلف عن جد وإله قبيلة أو شعب (النحن) ..

    ولقد ضرب عينة من الأمثلة الطريفة التي تدعم وجهة نظره، رابطا إياها بمسألة الوعي .. فقال إن كل منا قد رأى في حياته شجرة، ولكن لو كان الحديث عن شجرة مخصصة فإن السامع سيرسم صورة تلك الشجرة (موضوع الحديث) حسب وعيه للشجرة التي رآها أو انتقى صورة معينة لشجرة رآها .. وهنا توكيد على أن الوعي هو إعادة إنتاج صورة معينة، في حالة الحديث عن الواقع أو الماضي ..

    يعارض الكاتب الفكرة القائلة بأن الوعي ضروري للتعلم، فيقول أن الوعي بكثير من الحالات يكون كابحا للتعلم .. وهي مسألة يريد أن يفصح عنها الكاتب بأن الصور المعاد إنتاجها عند من يقوم بالوعي تعتمد على (أرشيف) قديم، قد يكون مضللا لمن يحاول التعلم.

    والنقطة تلك من الأهمية بمكان وقد يكون الكاتب محقا، فالتصور الذي يحمله الأوروبيون عن العرب، تم تغذية ملفاته وفق تطور تاريخي حكمته أسباب ووقائع قد لا ترتبط بالحاضر، أو أنها ترتبط ولكن بصورة مشوهة .. وهذا لا يتوقف على الأوروبيين وحدهم، بل يشملنا نحن ويشمل شعوب الأرض كلها.

    نحن لا نعرف أجدادنا على وجه الدقة، ولكننا نرسم صورهم البعيدة التي قد تصل آلاف السنين بأشكال نبتكرها في آلية الرسم لتلك الصور .. كذلك لا نعرف سكان الغرب أو سكان العالم فردا فردا، ولكننا نرسم صورتهم وفق آليات لها علاقة بما نحمل من موروث ثقافي يناقشهم كآخرين لنا ..

    يضع الكاتب مثالا طريفا، عندما يفترض نقاطا بيضاء على لوحة سوداء، لا صلة بينها، نقطة تمثل الأكل والشرب ونقطة تمثل العلاقات العاطفية ونقطة تمثل الحروب والأحداث الحادة ونقطة تمثل المهارات الخ .. فتبدو اللوحة لا معنى لها سواء كانت اللوحة لماضي شعبنا أو حاضر شعوب أخرى نعتبرها (آخر جماعي) لنا .. في حين لو كانت تلك النقاط تمثل إحداثيات (رياضية أو هندسية) فيستطيع عالم الرياضيات أن يضع قوانين لعلاقاتها مع بعض ..

    يستخلص الكاتب نتيجة أن الوعي بالآخر يتأثر ببعدين (زماني ومكاني) .. وحتى يكون للوعي شروطه اللازمة لفهم ما يدور، وجب الانصياع لقوة جازمة تفرض قانونها وسلطانها على محددات الآخر ل (النحن)، وإلا فإن التضاد والصراع سيطال نشاطات الجماعات لتقوم بتصفية بعضها البعض كما حدث في الصراعات القبلية في إفريقيا (رواندا والكونغو وكينيا وتشاد) أو ما يحصل في أفغانستان أو صراعات عرقية (كما يحصل في مكونات يوغسلافيا السابقة) أو طائفية (كما يحدث في كثير من دول العالم) أو (يُحضر له). ويقترح أن تلك القوة الأنسب هي (الديمقراطية) ..

  4. #4
    الفصل الثاني: مفهوم ومواريث (العدو) في ضوء عملية التوحيد والسياسات الأوروبية ..

    قدمه: فيلهو هارلي من دائرة العلوم السياسية ـ جامعة جيفسكيلا ـ فنلندا .

    يبدأ الكاتب مشاركته التي خصصها للحالة الأوروبية بشكل خاص، بترجيح الجانب الاقتصادي حيث يقول: ( إن مبدأ التكامل يتحدى العناصر الأساسية للمنطق الواقعي القائل بالحفاظ على نظام الدول ذات السيادة ...) ثم يضع عدة محاور لمشاركته، سنتجاوز بقدر الإمكان ما يتشابه فيها مع من سبقه

    أولا: مفهوم العدو

    يذكر الكاتب نماذج فيما قيل بالآخر الذي يتطور الى (عدو) في آخر المطاف، فيذكر ما قاله أرسطو عن الآخر عندما قال : (الآخر المستبعد هو الغريب، الذي لم يتمكن من استخدام وفهم اللغة المشتركة (اليونانية)، ونتيجة لذلك أصبح (البربري) هدفا للمطاردة، أي أصبح عبدا أو يجب استعباده ..

    ويذكر (في العصر الحديث) ما قاله (ميشال فوكو) إلى إدراك "الآخر" باعتبار أنه شخص غير طبيعي، ومجنون ومعوق .. بينما يذكر ما ذهب إليه (جيمس آهو) بأن ما يميز الأنا عن الآخر هو أن أفراد الأنا ينادون بعضهم بأسمائهم الأولى دون ألقاب أو دون ذكر اسم العائلة .. وهي حميمية غير موجودة في سلوك الآخر ..

    إن العدو هو صورة للآخر متطورة في خشونتها وأذاها في حين أن الآخر هو في حالة استبعاد عن النحن أو الأنا ..

    ويميز الكاتب بين صنفين من العدو .. العدو الجدير والعدو الشرير.. فالعدو الجدير هو شريك (آخر) يلتزم بطقوس كما يلتزم فريقان من كرة القدم .. في حين العدو الشرير ليس عنده أي شيء مشترك معنا .. وهنا أطلق (ريغان) اسم إمبراطورية الشر على الاتحاد السوفييتي (سابقا) .. كما أطلق (بوش) محور الشر على دول قد لا يجمعها جامع إلا صفتها الشريرة (في نظر بوش!) .

    ثانيا: دور "العدو" في الميراث الثقافي الأوروبي

    ترتبط العبرية والإسلام والبروتستانتية الى الساحة الثقافية للعالم (الأوروبي) وأحيانا يطلق على الفرقاء في هذا التصنيف اسم (العدو المحبوب).. لكن هناك عدو ديني شرير تركز عليه الثقافة الغربية ..[ كلام الكاتب] ..

    1ـ الجذور الدينية ل (العدو)

    نشأت الفكرة الدينية عن "العدو" أي الكفاح الثنائي بين الخير والشر، في إيران القديمة، حيث خلع Zarathustra على مازدا Ahur Mazda (إله النور والإله الحكيم) صفة الإله الواحد الحق، ومع ذلك هنالك مناوأة الروح الشريرة (انغرا ماينيو Angra Mainyu) .. والواقع أن الصراع بين الخير والشر انتقل من مستواه الإلهي الى مستوى الناس .. ليصبح الصراع تاريخيا بين قوى الخير وقوى الشر ..

    لم يكن هناك تأثير بين (الزرادشتية الإيرانية) واليهودية، إلا بعد السبي لليهود ونقلهم الى العراق، حيث اختلط الفكر الزرادشتي بالفكر اليهودي .. في حين اعتنقت الإمبراطورية الرومانية المسيحية (الممثلة للخير) وتساهلت مع من اعتنقها حتى لو لم يكونوا من الرومان، فقبلت بالبرابرة المعتنقين للمسيحية واصطفوا معها في صراع ضد الشر المتمثل بالفكر اليهودي .. وهنا تطور مفهوم الآخر و العدو ..

    لم يكتف الرومان بمحاربة أعداء المسيحية الخارجيين بل عمموا عدائهم ليطال الأعداء الداخليين .. وهذا ظهر في القرنين السادس عشر والسابع عشر ..

    2ـ الجذور السياسية ل (العدو)

    في صراعات الأثينيون القدماء على السلطة بين المدن، كان الزعم يدور أن (أيديولوجية) الصراع كانت بين الأثينيون الديمقراطيون المدافعون عن حقوق الفقراء والضعفاء ضد الديكتاتوريين والأغنياء الأقوياء (تبرير إمبريالي لا يزال قائما حتى اليوم) ..

    ظهرت تلك المزاعم مجددا في العصر الحديث بعد ظهور الاتحاد السوفييتي، واعتماد مقولات العالم الحر وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب ..

    3ـ عدو أوروبا

    تعززت الأنماط الدينية والسياسية كمنهج للتفكير في العدو الذي حاربت أوروبا نشاطه، وقد تمثل في عدة أشكال وسأركز على شكل واحد وهو المشرق (الكاتب) ..

    لقد ذكر (شيراز دوسا Shiraz Dossa) أن الخط الفاصل بين اليونانيين المتمدنين والشرق (البربري) قد تشكل على يد (هيرودوتس ) مؤرخ الكفاح البطولي ضد الإمبراطورية الفارسية .. وقد كرس المؤرخون والفلاسفة تلك الفواصل فيما بعد .. حيث كانت عبقرية الغرب تواجه شرور العبيد الشرقيين.

    ونواجه مرة أخرى العدو نفسه على صورة تهديد إسلامي بطابع ديني وعسكري للمسيحية الغربية في حوالي القرن الحادي عشر لتتوسع الحروب بين الطرفين وتعبأ كل أوروبا ضد الشرق المسلم (الحروب الصليبية) ..

    ثالثا: "العدو" منذ الحرب العالمية الثانية

    إن مؤيدي فكرة ترجيح التكامل على ما سواه، يفترضون انقطاعا بين الماضي والحاضر والبدائي والحديث، ويعبرون عن اعتقادهم بأفكار سرعان ما تلوذ بالهزيمة أمام استعادة الأساطير واللغة البدائية لسيطرتها على عقلية القائمين في مختلف البلدان، فتذوب (فزلكة العلمانية) التي حاولت وضع نظريات تتحكم في العلاقات الدولية بنزاهة، أمام نهوض التقاليد البدائية..

    1ـ الحرب الباردة

    لقد كانت فلسفة الحرب الباردة ( ظاهريا) هي وجوب نصرة المسيحية على الشيوعية الملحدة، وطبعا ظهرت الولايات المتحدة كنصير لأوروبا ضد الشيوعية كما كانت نصيرة لها ضد النازية .. وبالمقابل فإن الروس (المكون الأكبر للاتحاد السوفييتي) والذين كانوا سدا منيعا أمام هجمات الآسيويين ضد المسيحية الأرثوذكسية سابقا، هم حماة البشرية من الشرور الإمبريالية في الحرب الباردة.

    2ـ القومية العربية والإسلام

    لقد حطمت الحرب العالمية الأولى اعتقاد الحضارة الأوروبية في تقدمها دون حدود، واستمرت موجات التحطيم بشكل ثورة درامية في استقلال الدولة تلو الدولة عن الغرب المستعمر..ومع ذلك برز في الستينات من القرن الماضي شر جديد هو القومية العربية وأحلامها في توحيد شعوب منطقة واسعة تتوسط العالم وتؤثر في التحركات بين أوصاله، فكان لا بد من تشويهها ومهاجمتها وحشد الخصوم ضدها من خارجها وداخلها، وكان تسلسل الأعداء يبدأ بجمال عبد الناصر ومنظمة أوبك وصدام حسين ثم بروز إيران وربطت كل المعتقدات الدينية والقومية بالنفط، فكان العداء لكل الأطراف مجتمعة وردات الفعل من مختلف الأطراف الغربية متناغم .. (الموقف من سلمان رشدي وكتابه آيات شيطانية) ( الموقف من انضمام تركيا للجسم الغربي) .. وتتوالى الأحداث المشابهة ..

    رابعا: الاختلافات الدينية والقومية داخل أوروبا المعاصرة

    عندما يتم ذكر أوروبا، فيعني ذلك بلغة السياسيين الغربيين (أوروبا الغربية) وعندما يتم ذكر المسيحية فإن ذلك يعني ديانة أوروبا الغربية (الكاثوليك والبروتستانت) .. وبعبارة أخرى ستسقط روسيا وصربيا وبلدان أخرى من هذين التصنيفين .. وهذا يجعل العرق (السلافي)( أي سكان أوروبا الشرقية) وكأنهم ليسوا بأوروبيين ..

    إن انتهاء الحرب الباردة لم يجعل أوروبا خالية من الأعداء، بل بالعكس كثر الأعداء داخل أوروبا، ورأينا الحروب في منطقة البلقان، وتفكك دول مثل يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، وما وراء ذلك من انبعاث لعداوات كانت سابتة ..

    باختصار هناك ثلاث أعداء للأوروبيين : أعداء من خارج أوروبا (المسلمون) وأعداء أوروبيين (باختلافات عرقية وطائفية) .. وأعداء تغلغلوا في أوروبا .. وهم المهاجرون (ومعظمهم مسلمون) ..

    خامسا: الطبيعية السياسية للاندماج الأوروبي

    بعكس الذين يراهنون على سلاسة نشوء اتحاد أوروبي، وبالذات من ينظرون إليه من الخارج، باعتبار أن التطور فيه آخذ الى تحول أوروبا الى دولة (كتلة) قوية تنافس أمريكا واليابان ودول العالم الثالث .. يصنف الكاتب نفسه على أنه من المتشائمين، فالإجراءات التي تمت حتى الآن لم تكن أكثر من إجراءات اقتصادية أملتها قوانين السوق، لكن التحول السياسي والإرادة السياسية لن تمر بتلك السلاسة .. فهو يميز بين التعاون الأطلسي المدعوم من النرويج وإنكلترا وبين الاندماج القاري المدعوم من ألمانيا وفرنسا .. حيث يرى أنه في الحالة الأولى أن من يحدد العدو والصديق هو الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الحالة الثانية تتراجع دول كثيرة من أوروبا عن المضي قدما (الاستفتاءات على الاندماج ونتائجها العكسية) .. ويشترط الكاتب أنه حتى يكون هناك أوروبا قوية لا بد من اندماج روسيا معها وهو يستبعد حدوث ذلك ..

  5. #5
    نعلم أن هذا الكتاب الذي استغرق جمعه وتحريره بشكله المطروح في الأسواق أكثر من سبع سنين، أنه من الصعوبة بمكان تطويعه ليصبح بمتناول المثقفين الذين لا يتعاملون مع كتب بهذا الحجم .. ونعلم أن كل فصل منه يصلح أن يكون موضوعا ذو حلقات .. ونعلم أن اختصار الكتاب بمواده الدسمة والكثيرة المتنوعة سيفقده كثيرا من دقة معلوماته .. ولكن المساهمة في تقديمه أو تقديم بعض مواده بالطريقة التي يمكن احتمالها في الشبكة العنكبوتية لن يخلو من فائدة .. سائلا الله أن يبقي الرغبة في إنجاز هذا العمل موجودة .. وحبذا لو ساعدني من يملك نسخة من هذا الكتاب في تحقيق تقديمه بالصورة التي توسع من دائرة المطلعين عليه ..
    لفتت نظري فعلا كتاب موسوعي ومالهدف منه؟
    يعارض الكاتب الفكرة القائلة بأن الوعي ضروري للتعلم، فيقول أن الوعي بكثير من الحالات يكون كابحا للتعلم .. وهي مسألة يريد أن يفصح عنها الكاتب بأن الصور المعاد إنتاجها عند من يقوم بالوعي تعتمد على (أرشيف) قديم، قد يكون مضللا لمن يحاول التعلم
    .
    ارجو استاذي شرح هذه الفكرة لو سمحتم
    ويميز الكاتب بين صنفين من العدو .. العدو الجدير والعدو الشرير.. فالعدو الجدير هو شريك (آخر) يلتزم بطقوس كما يلتزم فريقان من كرة القدم .. في حين العدو الشرير ليس عنده أي شيء مشترك معنا .. وهنا أطلق (ريغان) اسم إمبراطورية الشر على الاتحاد السوفييتي (سابقا) .. كما أطلق (بوش) محور الشر على دول قد لا يجمعها جامع إلا صفتها الشريرة (في نظر بوش!) .
    حتى لو يبقى العدو عدوا وغلاف الدبلوماسيه هو هو
    ننتظر توضيحاتك استاذنا
    كل الشكر والامتنان
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #6
    أستاذتنا الفاضلة

    ألمس باستمرار ظهور تفوقكم على الجميع بتقنية تحويل النص من نص جامد الى نص عضوي متحرك من خلال استنطاقه بالردود ليصبح ذخرا لكل من يطلع عليه .. وهي مسألة قد جاءت بفعل خبرتكم العالية في هذا المجال .. لذلك سأتناول اقتباساتكم الثلاثة من هذا الباب، وليس من باب الاستفسار وأنتم أعلم بالأجوبة.

    الاقتباس الأول: حول أهمية عرض هذا النوع من الكتب الموسوعية في المنتديات.
    معروف لدى الجميع، أن الحياة مليئة بالتفصيلات الكثيرة والمتشعبة، وتسليط الضوء على أكثر عدد ممكن من تلك التفصيلات، هو ما يجعل رسالة المثقفين ووسائلهم التي منها الأسلوب المستحدث عبر (الإنترنت) أقرب الى الكمال.. فكما أن هناك منتديات تتخصص بالعشائر والخيول وصناعة الفحم والشعر وغيرها بشكل متخصص، فإن المنتديات التي تجمع عينات من المثقفين المتوسطين أو فوق المتوسطين ( أي ما قبل المختصين المحترفين) فإن التنويع بوجبات تغذيتهم أمر مرغوب فيه وضروري بنفس الوقت.

    وعلم النفس، علم جليل، لا يترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها، ولكن المختصين فيه يعرضون بضائعهم على بعضهم البعض، فتقل وصول فائدتها الى المثقفين الذين ذكرنا نوعيتهم. وعليه، فإن أي محاولة، حتى لو لم تخلو من أخطاء في الفهم، فإنها ستقدم شيئا مفيدا للقراء.

    والكتاب الذي بين يدينا، يريح المحلل السياسي والمثقف وكاتب القصة في تكوين صورة عن دوافع التحركات الجارية عالميا وإقليميا وقطريا .. تغذية القدرة (الإبيستمولوجية).

    الاقتباس الثاني : حول الوعي وكونه يكبح القدرة على التعلم.

    الوعي في أبسط تعريفاته هو إعادة تكوين صورة حدثت (هذا بالنسبة للوعي الماضوي أي المتعلق بالماضي) .. أما الوعي المستقبلي وهو الوعي المطلوب لقيادة أمة، فهو يعني بتكوين صور لم تحدث، كأن نرسم صورة المياه في الأردن أو سوريا عام 2025 أو شكل التقارب السياسي العربي، هل تقترب الأمة من وحدتها أم تبقى هكذا أم تتشرذم!
    وعليه فإن حملنا صورة سابقة متصلبة وخاطئة عن (آخر) نتعامل معه، فإن تلك الصورة ستقيد مسألة قبولنا للصورة التي نتعرف عليها عن قرب، وقد تكون مغايرة للصورة التي حملناها.

    الاقتباس الثالث: حول العدو الجدير والعدو الشرير

    في أمثالنا العربية نقول: (رافق السبع وإن أكلك) .. ويقال : (عدو عاقل خير من صديق جاهل) .. فالعدو الجدير، يجعلنا نتنبأ بخطواته المستقبلية ونحتاط لها، في حين لن يتمكن أحدنا من معرفة ما سيفعله الجاهل من أعداءنا

    احترامي و تقديري أختنا الفاضلة

  7. #7
    الاقتباس الثالث: حول العدو الجدير والعدو الشرير
    في أمثالنا العربية نقول: (رافق السبع وإن أكلك) .. ويقال : (عدو عاقل خير من صديق جاهل) .. فالعدو الجدير، يجعلنا نتنبأ بخطواته المستقبلية ونحتاط لها، في حين لن يتمكن أحدنا من معرفة ما سيفعله الجاهل من أعداءنا
    كلام سليم ويحضرني كلمة من التاريخ
    شعرة معاويه هي من صميم السياسه والتي لايتقنها الكثير من الكبار لامتصاص جبهة الخصوم
    مرور سريع
    مع تقديري
    ابو فراس

  8. #8
    حياكم الله أخي أبو فراس

    شاكرا تفضلكم بالمرور

  9. #9
    الفصل الثالث: الاستشراق والاستغراب : اختراع الآخر في الخطاب الأنثروبولوجي ..


    قدمه: منذر الكيلاني : أستاذ في جامعة لوزان ـ سويسرا

    أولا: بلاغة الخطاب الأنثروبولوجي: الكونية والمقارنة والتراتب

    من المحقق أن "اكتشاف" أمريكا افتتح عهد الحداثة في الغرب، وأنه وفر أيضا شروط انبثاق الخطاب حول الآخر، الآخر الذي دائما ما يكون الفكر الأوروبي محتاجا إليه. لكن ما الذي حدث؟ كانت الأشياء التي شاهدها المكتشفون لأمريكا ينظرون لها بأدوات قديمة وقياسا لأشياء "معلومة" فاستنفرت الأدوات المعلومة والمتحصلة من تراكم معرفة العالم القديم، منذ عهد التوراة والإغريق والرومان ومصر القديمة وبلاد ما بين النهرين والحضارة الإسلامية لتساعد في وصف وفهم ما شاهده المكتشفون في البلاد المكتشفة حديثا. فقورنت الصروح المهيبة التي شيدها (الأنكا) و (المايا) من حيث العظمة والمهارة بأهرام مصر أو بالهندسة الرومانية، وقورنت معابد (الأزتيك) بالمساجد، وقورنت اللاما بالجمل والخروف، فصارت (اللاما) جمل وحمار وخروف أمريكا!


    يتوجب إذن على البصر، كي يتخطى حدوده ويحصِل المعنى، أن يتحمل جزءا من ذاته كان قد ابتناه مسبقا ليصاحبه في رحلته. لقد كان لكولومبس ولمعاصريه فكرة مكونة سلفا عما سيشاهدون. لقد كان تحت تأثير الهدف الذي ترمي إليه سفرته [ لقد سمي الشعب بالهنود الحمر، كون الرحلة بالأصل كانت تبحث عن طريق آخر للهند المعروفة قبل الرحلة]

    لا مناص للأنثروبولوجي الحديث من أن يؤدي دور (الصانع) الذي يرى بأم عينيه أمورا لم يرها شخص قط حتى ذلك الحين. إن المونوغرافيا الميدانية لها قدرة حقيقية على تغيير وجه الآخر، وعلى اختراع هيئة له تكون إما "نبيلة" أو "شرسة"، إما "مسالمة" أو معادية" إما "ودية" أو"منفرة". إن الأنثروبولوجيا تصنع وتبث صورا عن الثقافات والشعوب، فتصير مع الزمن جزءا من مكونات ثقافة الشخص العادي في الغرب وموضوعا مكررا ومشتركا عند الحديث عن أي آخر.

    هكذا تكون الطيبة عند الأقزام، كما صورها المستكشفون، وتكون اللون الأزرق عند الطوارق، أو الفلاحين الماكرين في الحيازات (النورماندية) ..

    البلاغة في الآخرية، وهي اختزالية على الغالب، وتتضمن دائما تهديدا لمن تجعله موضوعا لخطابها، والبلاغة هنا، فن مبني في العمق على عدم التناظر. ليس هناك تناظر بين وضع تكون فيه ناظرا أو "رائيًا" وبين أن تكون منظورا إليه "مرئيا"، هكذا صور الغرب المستكشف لأمريكا الشعب هناك، وقاموا بتسويغ قتله وإبادته، وهكذا فعلوا في الحديث عن المسلمين، قبل الحملات الصليبية.

    في الأعمال الأنثروبولوجية الحديثة، تكون الأدوات غربية بحتة، فالآخر في كل الحالات هو من لا ينتمي للحضارة الغربية .. ( كتاب رحلة الى الشرق وهو اختراع يقوم فيه المؤلف برحلة دائرية تعود فيه باستمرار الى الغرب بعد أن يمر على كل ما هو مغاير ومخالف ومتخلف عن الغربي) ..

    لكن لماذا نفترض وجود تعادل للأصوات والثقافات، بعيدا عن موازين القوى التي تربط الثقافات على ضوء القوة الراهنة (في وقتها) ..

    من الجائز مثلا لمهاجر مغربي في فرنسا أن يتذكر عبثا الحظوة التي كانت لثقافته في الماضي أو التي يمكن أن تكون لها في بعض المناسبات الحاضرة، لكن ذلك لن يغير شيئا في آلام الواقع اليوم، أي في التراتب الاجتماعي الذي يرفع الثقافة الفرنسية والأوروبية الى أعلى السلم ويضع الثقافات المغربية والعربية والإسلامية والعالمثالثية في أسفل السلم، أو حتى خارجه نهائيا..

    ثانيا: الاستشراق والاستغراب .. أو أوهام التمامية القائمة على الهوية.

    كان خصوم الاستشراق ـ ولا زالوا ـ يركزون على واقعهم الأنثروبولوجي الذاتي دون الالتفات للآخر، لتعديل موقعهم التراتبي، بحيث يصبحون هم من ينظر للآخر نظرة فوقية! وفصلهم الذاتي عن الموضوعي* أوقعهم بحالة غبية وأوجد عندهم ما يعرف بجمود الهوية ..

    لنأخذ حالة نقد الاستشراق عند (إدوارد سعيد) الذي يحمل في نهاية المطاف الغرب للقولبة التي وجد بها الشرق، وهو هنا يفصل بين الذاتي والموضوعي، ويزيل العلاقة الجدلية بين الذات والموضوع التي تسري داخل كل بناء اجتماعي وداخل كل مشروع فكري. ليس هناك دواعي للتدليل على أهمية العلاقة بين الذات والموضوعي وإعادة مثال السيد بالخادم، التي توجب وجود السيد حتى يكون للخادم هوية .. بمعنى آخر، ليس الأوروبي بالمسئول وحده عن قولبة الشرقي في قالب "آخرية" لا معنى لها إلا في حدود ذاتها، بل كان للشرقي المتواطئ مع الأوروبي حتى يجعل نفسه في هذا الموضع "الآخري"

    حرصت بعض النزعات السوسيولوجية العربية المعاصرة على تنظيم البناء بحسب مقتضيات الهوية، أي أنها تربط الاستشراق بتفهم نظرة الآخر، بعدما كانت تتفرغ لتهاجم الاستشراق وتشنع به. في حين لا زال هناك من يساهم في (تكليس) الهوية وتجميدها وتصنيع مسلمات جديدة لتحديد الهوية كالطائفية أو العرقية، وهذه المساهمات تعمل ما تعمله المرآة في تسليط أضواء الآخرين على تلك الهويات المحلية العربية كآخر (دوني) ..

    أن نرفض أن الآخر حاضر في ذاتنا، وأن الهوية تنبني على التفاعل بين الاثنين يؤول بنا الى تعتيم البعد الأبيستيمولوجي الذي تقوم عليه مقاربة العلوم الاجتماعية: وتتمثل هذه المقاربة في الأخذ بالمرجعية الكونية ..

    ويختتم الكاتب دعوته بالحث على الكيفية التي نحقق فيه ذاتنا ومعرفة موقعنا بين مفصليات العلاقات التراتبية العالمية من خلال استنفار الجهود في وضع تلك المسألة بين المسائل المهمة التي على الجميع الانتباه لها ..

  10. #10
    الفصل الرابع: العنصرية: منطق الإقصاء العام ..

    قدمه: جاك ماهو : باحث بالمركز الوطني للبحث العلمي CNRC باريس .

    (1)

    كيف نسمي الناس؟ إن المرء الذي ما يزال يعير انتباها ولو قليلا لأسلوب تحرير الأحداث المتفرقة في الصحف، سيجد أنه من المفيد أن يقرأ الأسلوب الذي به يُنعت أولئك الناس الذين يحف بهم أمرٌ ما: (رجل شمال إفريقي يطعن واحدا من أهل ديانته)؛ (امرأة في العقد الخامس من عمرها تنتحر في الميترو) ؛ (عصابة من الشبان قامت بسرقة سيارات) .. الخ . إن الألفاظ المستعملة ليست بريئة. فنحن لم نعرف عن المرأة سوى عمرها، ولم نعرف عن الشمال إفريقي كم عمره، وهكذا فإن الخبر يدخل طي النسيان ولن يبقى منه سوى المحور الذي أراده المورد للخبر..

    فإن أراد المخبر أن يركز على العرق فيذكر (جريمة شنعاء) ويلصقها بالعرق أو المذهب، وأن هناك علاقة بين الألفاظ المستعملة وبين الفعل المنطوق به، فلكل فعل محدد يتم اختيار ألفاظ محددة. فالقول بأن عصابة من الشبان تسرق الدراجات النارية يعني القول بأن الشباب (متضمن) داخل السرقة، أو أن السرقة تعلل بوجود الشباب في أقصى الحالات. ولن تجد يوما (عصابة من الكهول تسرق بنكا) . هذا يسمى المنطق المضمر في التسمية.

    (2)

    يوجد لدى علماء النفس وعلماء الاجتماع تمرين على القراءة يسمى بتحليل المضمون. وشغلهم في هذا المضمار هو الاستعاضة من الكلام العادي الذي يعبر الناس بواسطته بخطاب متفقه (من الفقه) في العلم، مفاده التوجه بنبرة جادة الى جمهور من المختارين بتفسير ما يريد الغير قوله؛ إنه تفسير ينعت خطاب عامة الناس بالخطاب المبهم وينعت خطاب شارح الطلاسم بالخطاب الواضح.

    لقد تجلت هذه الخاصية التأويلية في نشاط من يريدون تأويل ما يقال ويكتب الى ما لا نهاية من التأويلات، وحاولوا وضع نظريات تفسر ما يكمن وراء نسق تلك التأويلات . ولنقل بأنه لا يوجد تحليل للمضمون يكون ساذجا وبريئا، بقدر ما لا يوجد أيضا منهج لكل المجالات يمنحنا مفتاحا سحريا لتفكيك رموز كل نص.

    إن ما يُطلب منا هو أن نمنح ثقتنا عندما يُعرض علينا تأويل من التأويلات. وربما تكون غالبية تلك التأويلات مقنعة شريطة أن نسلم بسيكولوجيا الأعماق أين نجد أن المسكوت عنه يفيد ب (ما كان يراد قوله) في حين يكون (ما قيل) واضحا بذاته بالطبع.

    مختصر القول في هذا الشأن، أن تسليمنا بما يقوم بتأويله من يعرضون الشأن علينا، يشترط التصديق بقدرتهم على رؤية ما لم نستطع رؤيته نحن.

    (3)

    في الحقيقة ولكن من منظور منطقي فقط، عندما يظهر في قضية ما موضوع نقرر أنه محل المعالجة ويكون مقترنا بفعل فاعل تنبسط أمامنا ثلاث إمكانات:
    أ/أ : أي المقابلة بين حدين متماثلين بصدد عبارات منطوقة. ومثال ذلك : يهود فرنسا (لهم هذه الخاصية المعينة)/ يهود روسيا (ليس لهم هذه الخاصية).

    أ/ب : حدان ليس بينهما علاقات: اليهود وأطباء الأسنان.

    أ/ج أو أ/أ : ثمة اليهود الذين يتصفون بمميزات ما، وثمة الآخرون الذين لا يكتسبون هذه المميزات ولكنهم يكتسبون مميزات أخرى تجيز احتمالا تمييزهم بسمات أخرى. من هنا يتأتى النفي البسيط الذي بمقتضاه نثبت أن الآخرين هم فقط الذين تنعدم فيهم طبائع اليهود، من دون أن يكون في مقدورنا أن نقول شيئا في خصوصيتهم كمجموعة.

    يقول الكاتب: إن هذا المشكل لعلى قدر من الأهمية .. فبيان كيف يعمل الفكر العنصري يعني أيضا كيف يعمل الفكر غير العنصري، إن الفكر غير العنصري لا يتضح في التحليل الأخير إلا بتبيان ما يلي :

    1ـ أنه توجد وجودا شائعا تقابلات من نوع أ/ج أو أ/أ يكون فيها المسمى هو الأغلبية . (ليلاحظ القارئ الكريم أن تلك التقابلات تسود في الوقت الحاضر خطاب من يهيئون للفتن في منطقتنا (شيعة/سنة/ كرد الخ) محاولين تعميم صفة ينتقونها ليقدموا الآخر بها لتأجيج الفتنة).

    2ـ أنه توجد تقابلات من نوع أ/ب

    3ـ إن نظام التسمية هذا يعمل إن قليلا أو كثيرا بالطريقة نفسها التي يعمل بها النظام العنصري. أن يتحكم المرء في الحجة يعني أنه يقدم حجة على انعدام أية حجة مضادة.

    (4)

    تبدو العنصرية في آخر الأمر بما هي نمط من أنماط التصنيف الشعبي ذات قرابة متينة بعلم التصنيف الذي للعلماء، وهو الشهير لدى علماء الاجتماع والمنعوت بالتيمولوجيا (علم الأصناف البشرية). وأعني بالعنصري كل فكر يستخدم، بدلا من المنطق التوسعي، منطق المعاني الشاملة الذي يعمل بحسب تضمين المعاني. فمن بين الصفات الكثيرة التي يمكن أن تُلحق بالفرد، ومن بين طبائعه المتنوعة تنوعا لا متناهيا، ينتقي العنصري البعض منها ليلصقها بمن يريد أن يتحدث عنه.

    وبالمقابل فإن لهذه المشاركة بالنمط فضل ترسيخ السمات في الفرد وفضل تثبيت وجودها فيه وجودا مطلقا لا يقبل غيره من السمات. إنها تجعل من الإنسان المتكاثر والمتنوع يهوديا أو عاملا أو امرأة. إن الفكرة (الأصلية) (الصورة بالمعنى الفلسفي) هي التي تنتقي هذه السمات وهي بدورها تعتمد على وجود السمات.

    خلاصة القول: أنه عندما ننتقي فئة أو فردا ونريد أن نعالجه بالدرس أو الوصف، فإننا سنكون أسرى لصورة مسبقة كوناها عن هذه الفئة أو الفرد.

صفحة 1 من 5 123 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. صورة العربي والمسلم في السينما الأمريكية
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-23-2015, 03:41 AM
  2. صورة العربي والمسلم في السنما الامرريكية
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-15-2014, 07:47 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-04-2013, 07:44 AM
  4. صورة حواء في المسرح والسينما في عالمنا العربي
    بواسطة وائل مصباح في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-06-2013, 02:18 PM
  5. الوجه الآخر للاعلام الغربي
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-09-2007, 11:29 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •