موقف بطولي للسلطة الفلسطينية
د. فايز أبو شمالة
تصر السلطة الفلسطينية على التمسك بموقفها الذي أبلغته للإدارة الأمريكية، والقاضي بضرورة استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها مع "أهود أولمرت" رئيس الحكومة الإسرائيلية السابقة، في حين يطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي "نتانياهو", لقاء السيد عباس فوراً للبدء في مفاوضات مباشرة، وقال خلال اجتماع للوكالة اليهودية في القدس المحتلة: على الرئيس عباس أن يعقد معي جلسات سرية للبدء فوراً في مفاوضات مباشرة". ولكن السيد عباس يرفض ذلك بكل إباء وشمم، ويصر على موقفه بضرورة البدء في المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، وهذا ما أكده الدكتور صائب عريقات عندما صرح لوكالة قدس نت: إذا وافقت إسرائيل على استئناف المفاوضات من نقطة التوقف، فإننا جاهزون لخوض مفاوضات مباشرة، والجلوس مع "نتانياهو"
فهل يفهم من كلام الرجلين بأن الرجوع إلى نقطة التوقف يعني أن أمور التفاوض التي بدأت بعد مؤتمر "أنابولس" لمدة سنتين كاملتين؛ من شهر يناير 2007، وحتى ديسمبر 2008، كان مفاوضات ناجحة، وأنجزت الحلم الفلسطيني؟ وإن كان ذلك كذلك، كم سنة تفاوض أضافية تحتاج السلطة الفلسطينية كي تستكمل هذه المفاوضات؟ وهل العودة إلى نقطة التوقف تعني تحرير كامل أرض الضفة الغربية، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأغوار، وتفكيك المستوطنات، وتحرير القدس؟ وهل تعني العودة إلى نقطة التوقف عودة ملايين اللاجئين إلى مدنهم، وقراهم؟ وهل تعني العودة إلى نقطة التوقف الاعتراف الإسرائيلي بالظلم الذي أوقعته العصابات اليهودية على الفلسطينيين؟ وهل يعني ذلك تطبيق قرار الأمم المتحدة 181، 194، أو حتى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242؟
نقطة توقف المفاوضات يا سيد عباس، ويا سيد صائب تعني بقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية كما هي، وبقاء الجيش الإسرائيلي مسيطراً على منطقة الأغوار الفاصلة بين الضفة الغربية والأردن، وبقاء الفلسطيني ذليلاً أمام الحواجز الإسرائيلية، وبقاء الجيش الإسرائيلي صاحب الولاية والحماية لكل الأرض التي ستقام عليها الدولة القزم الفلسطينية، وبقاء القدس عاصمة موحدة للدولة اليهودية إلى أبد الآبدين، وبقاء اللاجئين الفلسطينيين لاجئين على طول السنين. فعلى ماذا تبكيان، وماذا تتمنيان، وبماذا تحلمان، إذا كان جل طموحكما هو النقطة التي توقفت عندها المفاوضات. وماذا تتوقعان أسوأ من ذلك مع تواصل رفض "نتانياهو" مجرد العودة إلى مسخرة ما قبل توقف المفاوضات؟!
إن جاز تسميه التمسك بعودة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها موقفاً بطولياً، فمعنى ذلك أن عضو المجلس التشريعي الدكتور صلاح البردويل على حق حين وصف خروج القوات الفلسطينية من سجن أريحا مستسلمة للجيش الإسرائيلي، ورافعة الأيدي بالملابس الداخلية، فقال: هذا موقف فلسطيني بطولي. ولكن هذا التصريح لم يعجب الدكتور محمود الزهار في حينه، فاتصل فيه معاتباً: إذ كيف تصف خروج الفلسطينيين بالملابس الداخلية من سجن أريحا بالموقف البطولي، أين البطولة الفلسطينية في ذلك؟
صمت الدكتور صلاح البردويل، وأجاب بلهجة قرية "الجورة" الفلسطينية: نعم، إنه موقف بطولي؛ إن الخروج بالملابس الداخلية في البرد القارص في حد ذاته موقف بطولي!